كَمَال مناسبته للعلية مَعَ عدم مَا يصلح لَهَا سواهُ، وَأَن الْغَالِب فِي الشَّرْط النَّحْوِيّ السَّبَبِيَّة (وَأَيْضًا لم يزل المستفتون يتبعُون) الْمُفْتِينَ (بِلَا إبداء مُسْتَند) فِيمَا يفتون بِهِ (وَلَا نَكِير) عَلَيْهِم من أحد، فَكَانَ إِجْمَاعًا سكوتيا على جَوَاز اتِّبَاع الْعَالم من غير إبداء الْمُسْتَند (وَهَذَا) الْوَجْه (يتَوَقَّف) استلزامه عُمُوم الْجَوَاز (على ثُبُوته) أَي الاستفتاء (فِي الْعلمَاء المتأهلين) للِاجْتِهَاد (كَذَلِك) أَي بِلَا إبداء مُسْتَند لَهُم (قَالُوا) أَي الشارطون تَبْيِين صِحَة الْمُسْتَند (يُؤَدِّي) لُزُوم اتِّبَاع الْعَالم بِغَيْر تبينها (إِلَى وجوب اتِّبَاع الْخَطَأ) لِأَن المستفتى يجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِمَا أفتى بِهِ الْمُفْتِي، وَعند عدم تَبْيِين صِحَة الْمُسْتَند قد يكون خطأ (قُلْنَا وَكَذَا) يُؤَدِّي إِلَى وجوب اتِّبَاع الْخَطَأ (لَو أبدى) صِحَة الْمُسْتَند، لِأَن مَا أبدا صِحَّته قد يكون خطأ أَيْضا لِأَن ظُهُور الصِّحَّة فِي نظرهما لَا يسْتَلْزم الصِّحَّة بِحَسب نفس الْأَمر (وَكَذَا) لُزُوم اتِّبَاع (الْمُفْتى نَفسه) أَي اجْتِهَاد نَفسه يُؤَدِّي إِلَى وجوب اتِّبَاع الْخَطَأ بِغَيْر مَا ذكر، وَكَذَا على نَفسه: وَهَذَا على تَقْدِير نصب نَفسه، وَأما على رَفعه كالمفتي وكالعالم المستفتى الْمُفْتى نَفسه فنفسه تَأْكِيد للمفتى (فَمَا هُوَ جوابكم) فِي الْخَلَاص عَن وجوب اتِّبَاع الْخَطَأ أَيهَا الشارطون فَهُوَ (جَوَابنَا) إِذا لم يبد صِحَة الْمُسْتَند (والحل) أَي حل الشُّبْهَة بِحَيْثُ ينْكَشف حَقِيقَة الْحَال أَن يُقَال: (الْوُجُوب لاتباع) (الظَّن) فِي حق الْمُجْتَهد ومقلده (أَو الحكم من حَيْثُ هُوَ مظنون) أَتَى بِكَلِمَة أَو للتسوية بَين التعبيرين، وَقد وَقع كلا التعبيرين فِي كَلَام الْقَوْم تَنْبِيها على أَن مآلهما وَاحِد وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى بل، كَقَوْلِه تَعَالَى - {مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} -: تَنْبِيها على أَن الَّذِي يجب اتِّبَاعه مَا هُوَ حكم الله تَعَالَى بِاعْتِبَار ظننا، وعَلى هَذَا يقدر قيد الْحَيْثِيَّة فِي جَانب الْمَعْطُوف عَلَيْهِ: أَي من حَيْثُ أَن مُتَعَلّقه حكم الله تَعَالَى وَالْحَاصِل أَن وجوب اتِّبَاع مَا هُوَ خطأ من كل وَجه مَحْذُور، بِخِلَاف مَا ظن كَونه حكم الله وَإِن كَانَ خطأ فِي نفس الْأَمر، فَإِنَّهُ لم يجب اتِّبَاعه من حَيْثُ أَنه خطأ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لَا من حَيْثُ هُوَ خطأ) فَإِنَّهُ الْمُمْتَنع (نعم لَو سَأَلَهُ) أَي المستفتى الْمُفْتى (عَن دَلِيله) أَي الحكم استرشادا للإذعان وَالْقَبُول لَا تعنتا (وَجب) على الْمُفْتِي (إبداؤه) أَي الدَّلِيل (فِي) القَوْل (الْمُخْتَار إِلَّا إِن) كَانَ دَلِيله (غامضا) أَي خفِيا (مَعَ قصوره) عَن فهمه، فَإِنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ إبداؤه حِينَئِذٍ، عَن الزَّرْكَشِيّ أَن مَا علم من الدّين بِالضَّرُورَةِ كالمتواتر لَا يجوز فِيهِ التَّقْلِيد لأحد، بل يجب عَلَيْهِ مَعْرفَته بدليله، فَإِنَّهُ لَا يشق مَعْرفَته على الْعَاميّ كالإيمان ثمَّ جُمْهُور الْعلمَاء على أَنه لَا يلْزم على الْمُقَلّد التمذهب بِمذهب وَالْأَخْذ بِرُخصِهِ وعزائمه وَقيل فِي الْتِزَام ذَلِك طَاعَة لغير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل أمره وَنَهْيه، وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute