للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَحسن السِّيرَة فِي الحكم، ثمَّ رغب عَنْهَا وَرجع إِلَى الْقَاهِرَة فَأَقَامَ بهَا مشتغلا بكليته فِي الْعلم إِلَى أَن انْتقل إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى، كَذَا نَقله شَارِح هَذَا الْكتاب عَن المُصَنّف، وَهُوَ مِمَّن قَرَأَ عَلَيْهِ، " وَقَوله مولدا ومنتسبا " تَمْيِيز عَن نِسْبَة الصّفة إِلَى ضمير الْمَوْصُوف يَعْنِي مَنْسُوبا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة من حَيْثُ الْولادَة وَإِلَى السيواس من حَيْثُ الانتساب والمولد، والمنتسب بِفَتْح السِّين مصدر ميمي وانتسابه إِلَى السيواس إِمَّا بِاعْتِبَار نِسْبَة آبَائِهِ إِلَيْهِ، أَو بِاعْتِبَار أَن النَّاس كَانُوا ينسبونه إِلَيْهِ (الْحَمد لله) إِخْبَار صِيغَة إنْشَاء معنى كصيغ الْعُقُود، وَلَا مَحْذُور فِي عدم محموديته فِي الْأَزَل بِمَا أنشأه الْعباد من المحامد، وَإِنَّمَا الْمَحْذُور عدم اتصافه بِمَا يحمدونه بِهِ من الكمالات، وَهُوَ غير لَازم، وَالله اسْم للذات الْوَاجِب الْوُجُود الْمُسْتَحق لجَمِيع المحامد، وَالصَّحِيح أَنه عَرَبِيّ كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور، لَا عبراني أَو سرياني كَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو زيد، وَقيل أَنه صفة، وَالْجُمْهُور على أَنه علم مرتجل من غير اعْتِبَار أصل أَخذ مِنْهُ: مِنْهُم أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن وَالشَّافِعِيّ رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِم والخليل والزجاج وَابْن كيسَان والحليمي وَالْغَزالِيّ والخطابي وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وروى هِشَام عَن مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه اسْم الله الْأَعْظَم، وَبِه قَالَ الطَّحَاوِيّ وَكثير (الَّذِي أنشأ) أَي أوجد ابْتِدَاء (هَذَا الْعَالم) اسْم لكل مَا سوى الله، إِمَّا مُشْتَقّ من الْعلم فإطلاقه على غير الثقلَيْن وَالْمَلَائِكَة تَغْلِيب، وَإِمَّا من الْعَلامَة فَإِن فَاعِلا يسْتَعْمل فِي الْآلَة كثيرا كالطابع والخاتم، فَإِنَّهُ كالآلة فِي الدّلَالَة على صانعه، وَفِي كلمة هَذَا إِشَارَة إِلَى قرب مَا يسْتَدلّ بِهِ على وجود الصَّانِع من ذَوي الْأَبْصَار فَلَا تغفل عَنهُ (البديع) أَي المخترع، فَقَوله (بِلَا مِثَال سَابق) تَصْرِيح بِمَا علم ضمنا، أَو الْغَايَة فِي الْكَمَال فَهُوَ تأسيس، وَقيل الْإِنْشَاء والإبداع إِيجَاد الشَّيْء بِلَا سبق مَادَّة وزمان وَلَا وَاسِطَة آلَة، فيقابل التكوين لمسبوقيته بالمادة، والأحداث لكَونه مَسْبُوقا بِالزَّمَانِ، ورد بقوله تَعَالَى - {وَهُوَ الَّذِي أنشأكم من نفس وَاحِدَة} - و - {ثمَّ الله ينشئ النشأة الْآخِرَة} -، وَفِيه نظر لجَوَاز التَّجْرِيد عِنْد الْقَرِينَة (وأنار) أَي أظهر وأوضح (لأبصار الْعُقَلَاء) جمع بصر، وَهُوَ حاسة النّظر وَفِي بعض النّسخ لبصائر، وَهُوَ جمع بَصِيرَة، وَهِي للنَّفس كالبصر للبدن (طرق دلَالَته) وَلَا يخفى مَا فِيهِ من براعة الاستهلال، لِأَن الْأُصُول يبْحَث عَن طرق دلَالَة الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة (على وجوده وَتَمام قدرته) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن من لم يَتَّضِح لَهُ الطّرق لَيْسَ من الْعُقَلَاء فَإِن قلت وُجُوه الِاسْتِدْلَال لَيست مِمَّا يدْرك بالأبصار، فَمَا معنى إنارته لَهَا؟ قلت الإنارة للعقول حَقِيقَة لَكِنَّهَا لما كَانَت بِوَاسِطَة اسْتِعْمَال الْبَصَر غَالِبا نَسَبهَا إِلَيْهَا (فَهُوَ إِلَى الْعلم) أَي الله تَعَالَى أَو الْعَالم (بذلك) الْإِنْشَاء والتنوير (سائق) جعل خلق الْعَالم مَعَ إِيضَاح طرق دلَالَته بِمَنْزِلَة السُّوق تَنْبِيها على أَن الْإِنْسَان كالمضطر فِي الاهتداء إِلَى ذَلِك كالحيوان المسوق إِلَى جِهَة أُرِيد

<<  <  ج: ص:  >  >>