للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تدركها الْأَبْصَار أَولا وبواسطتها سَائِر المبصرات كالكيفية الفائضة من النيرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لَهما، وَالله سُبْحَانَهُ منزه عَن ذَلِك فَهُوَ على التَّجَوُّز بِمَعْنى منور السَّمَوَات وَقد قرئَ بِهِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى نورها بالكواكب وَمَا يفِيض عَنْهَا من الْأَنْوَار وبالملائكة والأنبياء إِذْ عَم النُّور، أَي بِمَعْنى مدبرها، من قَوْلهم للرئيس الْفَائِق فِي التَّدْبِير: نور الْقَوْم، لأَنهم يَهْتَدُونَ بِهِ فِي الْأُمُور أَو موجدها: فَإِن النُّور ظَاهر بِذَاتِهِ مظهر لغيره، وأصل الظُّهُور: هُوَ الْوُجُود كَمَا أَن أصل الخفاء هُوَ الْعَدَم وَهُوَ تَعَالَى مَوْجُود بِذَاتِهِ موجد لما عداهُ إِلَى غير ذَلِك (ومكر الله) لِأَن الْمَكْر فِي الأَصْل يجلب بهَا مضرَّة الْغَيْر وَهُوَ منزه سُبْحَانَهُ عَنْهَا، وَإِنَّمَا يسند إِلَيْهِ على سَبِيل الْمُقَابلَة والازدواج (الله يستهزئ بهم) لِأَن الِاسْتِهْزَاء السخرية ينْسب إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ مشاكلة، أَو اسْتِعَارَة لما ينزل إِلَيْهِم من الحقارة والهوان الَّذِي هُوَ لَازم الِاسْتِهْزَاء إِلَى غير ذَلِك (فاعتدوا عَلَيْهِ) بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم (و) جَزَاء (سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا) وَلَيْسَ جَزَاء الاعتداء اعتداء، بل هُوَ عدل، وَلَا جَزَاء السَّيئَة سَيِّئَة، فهما من إِطْلَاق اسْم أحد الضدين على الآخر بِجَامِع الْمُجَاورَة فِي التخيل (وَكثير) مِمَّا لَا يُحْصى عدده، فَلَا يَنْفَعهُمْ التَّأْوِيل فِي بعض الْأَمْثِلَة، كَأَن يُقَال: النُّور حَقِيقَة هُوَ الظَّاهِر فِي نَفسه الْمظهر لغيره، لَا الْعرض الْمَذْكُور فإطلاقه عَلَيْهِ تَعَالَى حَقِيقَة، وَقَالَ الإِمَام الرَّازِيّ: الْمَكْر إِيصَال الْمَكْرُوه خُفْيَة، والاستهزاء إِظْهَار الْإِكْرَام وإخفاء الأهانة فَيجوز صدورهما مِنْهُ تَعَالَى، وَقَوله - {أتتخذنا هزوا قَالَ أعوذ بِاللَّه أَن أكون من الْجَاهِلين} - لَا يدل على أَن كل استهزاء جهل، والاعتداء إِيقَاع الْفِعْل المؤلم، أَو هتك حرمه الشَّيْء، والسيئة مَا يسوء من ينزل بِهِ، وَلَا مجَاز فِي شَيْء مِنْهَا، (وَأما واسئل الْقرْيَة فَقيل) الْقرْيَة (حَقِيقَة) وَأمر بَنو يَعْقُوب أباهم أَن يسْأَلهَا (فتجيبه) أَي الْقرْيَة بإنطاق الله إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ كَانَ زمَان النُّبُوَّة وخرق العوائد، وَضعف بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقع للنَّبِي عِنْد التحدي وَإِظْهَار المعجزة، وَفِي غير ذَلِك لَا يَقع عَادَة وَإِن أمكن (وَقد مناه) أَي بَيَان مَا يتَعَلَّق بِهِ وَأَن لفظ الْقرْيَة (حَقِيقَة مَعَ حذف الْأَهْل) وَفِي قَوْلهم كنافيها إِشْعَار بِأَن المُرَاد سُؤال الْأَهْل أَن جَمِيع الجمادات مُتَسَاوِيَة فِي الشَّهَادَة عِنْد الْإِطْلَاق خرقا للْعَادَة إِظْهَارًا لصدقهم (وَلَيْسَ كمثله شَيْء) لَيْسَ (من مَحل النزاع) وَهُوَ مجَاز العلاقة لِأَنَّهُ من مجَاز الزِّيَادَة، أَلا ترى إِلَى تَعْلِيلهم: أَي الظَّاهِرِيَّة بِأَنَّهُ كذب، إِذْ لَا كذب فِي مجَاز الزِّيَادَة (وَقد أُجِيب) أَيْضا من قبلهم بِغَيْر هَذَا، فَأُجِيب (تَارَة بِأَنَّهُ) أَي لَيْسَ كمثله شَيْء لنفي التَّشْبِيه (حَقِيقَة) فالكاف مستعملة فِي مفهومها الوضعي (والمثل يُقَال لنَفسِهِ) أَي لنَفس الشَّيْء وذاته فَيُقَال (لَا يَنْبَغِي لمثلك) كَذَا: أَي لَك، قَالَ الله تَعَالَى - {فَإِن آمنُوا} - (بِمثل مَا آمنتم بِهِ) أَي بِمَا آمنتم بِهِ: وَهُوَ الْقُرْآن وَدين الْإِسْلَام، فَالْمَعْنى لَيْسَ كذاته شَيْء (وَتَمَامه) أَي تَمام هَذَا الْجَواب (باشتراك) لفظ (مثل) بَين النَّفس والتشبيه

<<  <  ج: ص:  >  >>