للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تقدمها زَمَانا، وَالْمرَاد معيتها زَمَانا، فَالْوَجْه أَن يَجْعَل دَلِيلا مُسْتقِلّا كَمَا فِي الشَّرْح العضدي، وَأما فَائِدَة إِثْبَات هَذِه الْقُدْرَة فَسَيَأْتِي بَيَانهَا (وَمِنْه) أَي وَمِمَّا ذكر من أَن الْقُدْرَة مَعَ الْفِعْل وَأَن الْفِعْل مَخْلُوق لَهُ تَعَالَى، وَمن هَذَا الِاسْتِدْلَال (ألزم الْأَشْعَرِيّ القَوْل بِهِ) أَي بتكليف الْمحَال وَإِلَّا فَهُوَ لم يُصَرح بِهِ (وَيلْزم) أَيْضا من هَذَا الِاسْتِدْلَال (كَون كل مَا كلف بِهِ محَال لذاته) قَالَ الشَّارِح: أَي فَهُوَ محَال لذاته، وَالْوَجْه الظَّاهِر محالا انْتهى وَلَا يخفى سماجة هَذَا التَّأْوِيل فَالْوَجْه أَن يُقَال سقط الْألف عَن الْقَلَم سَهوا، وَإِنَّمَا يلْزم ذَلِك لِأَن كَون الْقُدْرَة مَعَ الْفِعْل مُوجب للاستحالة الذاتية على رَأْيه، وَهَذَا مَوْجُود فِي كل تَكْلِيف (وَقَوْلهمْ) أَي المجيزين لوُقُوع التَّكْلِيف بالمحال لذاته (وَقع) التَّكْلِيف بِهِ إِذا (كلف أَبُو لَهب) أَي كلفه الله تَعَالَى (بالتصديق بِمَا أخبر) بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِجْمَاعًا (وَأخْبر) أَي أخبرهُ الله تَعَالَى وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنه) أَي أَبَا لَهب (لَا يصدقهُ) التزاما لإخباره بِأَنَّهُ من أهل النَّار بقوله - {سيصلى نَارا ذَات لَهب} - (وَهُوَ) أَي تَكْلِيفه بالتصديق بِمَا أخبر على الْعُمُوم لَا بِخُصُوص هَذَا الْأَخْبَار (تَكْلِيف بِأَن يصدقهُ فِي أَنه لَا يصدقهُ وَهُوَ) أَي تَصْدِيقه فِي أَنه لَا يصدقهُ (محَال لنَفسِهِ) لِأَن تحَققه يسْتَلْزم عدم تحَققه إِذْ مُتَعَلّقه عدم التَّصْدِيق الْمُطلق الَّذِي هُوَ من أَفْرَاده، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (لاستلزام تَصْدِيقه عدم تَصْدِيقه) وَكَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر الْإِضْمَار بِأَن يَقُول عَدمه، لَكِن لما كَانَ لُزُوم عَدمه فِي ضمن عدم التَّصْدِيق مُطلقًا أَشَارَ إِلَيْهِ بِوَضْع الْمظهر مَوضِع الْمُضمر بِأَن يَقُول عَدمه

وَيرد عَلَيْهِ أَن المستلزم لعدم التَّصْدِيق وَتحقّق مَضْمُون مُتَعَلّقه فِي الْخَارِج، لَا فِي ذهن الْمُصدق والتصديق الْمَذْكُور إِنَّمَا يسْتَلْزم تحقق الْمَضْمُون فِي الذِّهْن لَا فِي الْخَارِج، فغاية الْأَمر لُزُوم كَون التَّصْدِيق لما فِي نفس الْأَمر وَيُجَاب بِأَن الْمُكَلف بِهِ التَّصْدِيق اليقيني الْمُطلق لما فِي نفس الْأَمر قطعا، وَأَيْضًا كَيفَ يصدق بِعَدَمِ تَصْدِيقه إِيَّاه مُطلقًا حَال كَونه مُصدقا إِيَّاه فِي أَنه لَا يصدقهُ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال يجوز أَن لَا يكون عَالما بِعِلْمِهِ (غلط) خبر الْمُبْتَدَأ: أَعنِي قَوْلهم، لم يُصَرح بِوَجْه الْغَلَط لِكَثْرَة وجوهه مَعَ الِاعْتِمَاد على مَا يفهم بطرِيق الْإِشَارَة: مِنْهَا أَنه مَبْنِيّ على أَنه تَعَالَى أخبر بِأَنَّهُ لَا يصدق وَجعل هَذَا الْخَبَر بِخُصُوصِهِ مُتَعَلق إيمَانه وَلم يثبت شَيْء مِنْهُمَا، أما الأول فَلِأَن صلية النَّار يحْتَمل أَن يكون بالارتداد بعد التَّصْدِيق فَلَا ينتهض حجَّة، وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا يجب أَن يكون كل مَا أخبر بِهِ مُطلقًا للْإيمَان تَفْصِيلًا، وَمِنْهَا أَنه لَو سلم تَكْلِيفه بالتصديق الْمَذْكُور لم يكن محالا لذاته إِذْ لَا يسْتَلْزم تحَققه عدم تحَققه إِلَّا بِشُبْهَة كَونه مطابقا للْوَاقِع، وَهَذَا الْكَوْن خَارج عَن ذَاته فَلَا يسْتَلْزم تحَققه لذاته عدم تحَققه فَلَا يكون محالا لذاته (بل هُوَ) أَي تَكْلِيف أبي لَهب بالتصديق تَكْلِيف (بِمَا علم الله عدم وُقُوعه فَهُوَ) محَال (لغيره) وَهُوَ تعلق الْعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>