الِاتِّفَاق على قبح مَا ذكر الِاتِّفَاق على حسن مَا يُقَابله (وَمنع الِاتِّفَاق على كَون الْحسن والقبح متعلقها) أَي الْأَحْكَام صادرة (مِنْهُ تَعَالَى) يَعْنِي سلمنَا الِاتِّفَاق على إِدْرَاك الْحسن والقبح فِي بعض أَفعَال الْعباد كَمَا ذكرْتُمْ لَكِن لَا نسلم الِاتِّفَاق على أَن مَا استحسنه الْعقل أَو استصحبه صَار مُتَعَلقا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي، وَهَذَا الْمَنْع مَذْكُور فِي شرح الْمَقَاصِد (لَا يمسنا) أَي لَا يلحقنا مِنْهُ ضَرَر لأَنا لم نقل بِأَن مُجَرّد اتصاف الْعقل بالْحسنِ والقبح يسْتَلْزم كَونه مُتَعَلقا بِحكم، بل يُوقف هَذَا التَّعَلُّق على السّمع، فِيهِ أَنه قد سبق أَن الْمُتَنَازع فِيهِ الْقبْح بِمَعْنى اسْتِحْقَاق الذَّم عِنْد الله وَالْعِقَاب، وَإِذا كَانَ هَذَا الْمَعْنى ضَرُورِيًّا يلْزم كَونه مذموما عِنْده مُسْتَحقّا للعقاب، وَهَذَا عين التَّحْرِيم، وَقد يُجَاب عَنهُ أَنه لَيْسَ من الضروريات الَّتِي يُمكن عدم مطابقتها للْوَاقِع فَيحْتَاج إِلَى السّمع، وَلَو سلم فكونه مُسْتَحقّا لما ذكر لَا يسْتَلْزم توجه الْخطاب مِنْهُ تَعَالَى بِطَلَب تَركه وَالله أعلم (وَقَوْلهمْ) أَي الأشاعرة فِي دفع اتصافه بالْحسنِ والقبح (وَهُوَ) أَي مَا ذكرْتُمْ من قبح الظُّلم، والمقابلة الْمَذْكُورَة لَيْسَ الِاتِّفَاق عَلَيْهِ لكَونه مدْركا بِالضَّرُورَةِ، بل لكَونه (مِمَّا أبقت فِيهِ الْأَغْرَاض والعادات وَاسْتحق) على صِيغَة الْمَجْهُول (بِهِ) أَي بِسَبَبِهِ، وَالضَّمِير للموصول (الْمَدْح) مَرْفُوع لقِيَامه مقَام الْفَاعِل، وَهَذَا إِذا فعل مَا يُقَابله (والذم) إِذا فعله (فِي نظر الْعُقُول جَمِيعًا) ظرف للاستحقاق، فمنشأ الِاتِّفَاق اتِّبَاع الْأَغْرَاض والعادات على مُقْتَضى الطبيعة ومحبة الْمَدْح، وَكَرَاهَة الذَّم، لِأَن مَا ذكرْتُمْ من إِدْرَاك الْحسن والقبح على سَبِيل الضَّرُورَة (لتَعلق مصَالح الْكل بِهِ) أَي بِمَا ذكرْتُمْ، وَهُوَ تَعْلِيل للاتفاق الْمَذْكُور (لَا يُفِيد) خبر الْمُبْتَدَأ أَعنِي قَوْلهم: أَي القَوْل الْمَذْكُور لَا يدْفع حجتنا: إِذْ هُوَ إِنْكَار للبديهي (بل هُوَ) أَي كَون الْفِعْل بِحَيْثُ يسْتَحق فَاعله الْمَدْح أَو الذَّم، وَلَو لتَعلق الْمصَالح هُوَ (المُرَاد بالذاتي) أَي بِكَوْن الْفِعْل مَوْصُوفا بالْحسنِ أَو الْقبْح لذاته، لَا لكَون الْفِعْل مقتضيا لذاته الْحسن والقبح (للْقطع بِأَن مُجَرّد حَرَكَة الْيَد قتلا) أَي حَرَكَة قتل (ظلما) صفة لقتل (لَا تزيد حَقِيقَتهَا) أَي الْحَرَكَة الْمَذْكُورَة (على حَقِيقَتهَا) أَي حركتها قتلا (عدلا، فَلَو كَانَ الذاتي) هُوَ مَا يكون (مُقْتَضى الذَّات اتَّحد لازمها) أَي الحركتين (حسنا وقبحا) يَعْنِي إِن كَانَ لَازم أَحدهمَا الْحسن كَانَ لَازم الآخر كَذَلِك، وهما منصوبان على الظَّرْفِيَّة: أَي اتَّحد اللازمان فِي الْحسن والقبح، أَو على الحالية: أَي حَال كَونهمَا حسنا، أَو حَال كَونهمَا قبحا (فَإِنَّمَا يُرَاد) بالذاتي (مَا يجْزم بِهِ الْعقل لفعل من الصّفة) الَّتِي هِيَ الْحسن والقبح بَيَان للموصول (بِمُجَرَّد تعقله) أَي الْفِعْل حَال كَون هَذَا المجزوم بِهِ (كَائِنا) أَي ناشئا (عَن صفة نفس مَا قَامَ بِهِ) ذَلِك الْفِعْل، فههنا صفتان: إِحْدَاهمَا قَائِمَة بِالنَّفسِ الناطقة كالسماحة والجود وَمَا يقابلهما، وَالْأُخْرَى ناشئة عَن الأولى أثر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute