مَعَه (فاضطراري وَلَا يتصفان) أَي الاضطراري والاتفاق (بهما) أَي الْحسن والقبح اتِّفَاقًا (وَهُوَ) أَي هَذَا الدَّلِيل (مَدْفُوع بِأَنَّهُ) أَي صُدُور الْفِعْل (بمرجح مِنْهُ) أَي العَبْد وَهُوَ الِاخْتِيَارِيّ (وَلَيْسَ الِاخْتِيَار بآخر) أَي بِاخْتِيَار آخر ليتسلسل (وصدور الْفِعْل عِنْد الْمُعْتَزلَة مَعَ الْمُرَجح على سَبِيل الصِّحَّة لَا الْوُجُوب) يَعْنِي مَعَ وجود ذَلِك الْمُرَجح يَصح صدوره فَلَا يلْزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح، لَا أَنه يصير صدوره ضَرُورِيًّا بِحَيْثُ يمْتَنع عدم الصُّدُور (إِلَّا أَبَا الْحُسَيْن) مِنْهُم فَإِنَّهُ يَقُول بِالْوُجُوب، لِأَن الْمُرَجح إِذا رجح جَانب الْوُجُود لَا يُمكن أَن يتَحَقَّق مَا يُقَابله وَإِلَّا يلْزم تَرْجِيح الْمَرْجُوح (وَلَو سلم) أَن الْمُرَجح يُوجب الْفِعْل (فالوجوب بِالِاخْتِيَارِ لَا يُوجب الِاضْطِرَار الْمنَافِي لِلْحسنِ والقبح، وَدفع) هَذَا الدّفع بِأَنَّهُ (ثَبت لُزُوم الِانْتِهَاء) أَي انْتِهَاء تسلسل الْعلَّة (إِلَى مُرَجّح لَيْسَ من العَبْد) لما ذكر من بطلَان التسلسل (يجب مَعَه) أَي مَعَ ذَلِك الْمُرَجح (الْفِعْل) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَو لم يجب مَعَه يعود الترديد على مَا ذكر، واجملتان صفتان للمرجح (و) بذلك (يبطل اسْتِقْلَال العبدية) أَي بِالْفِعْلِ (وَمثله) أَي مثل هَذَا الْفِعْل الَّذِي لَيْسَ العَبْد مُسْتقِلّا بِهِ (عِنْد الْمُعْتَزلَة لَا يحسن وَلَا يقبح وَلَا يَصح التَّكْلِيف بِهِ، وَهُوَ) أَي الدّفع لذَلِك الدّفع (رد الْمُخْتَلف الى الْمُخْتَلف) لما كَانَ الِاسْتِدْلَال من قبل الأشاعرة فِي مُقَابلَة الْقَائِلين باتصاف الْفِعْل بالْحسنِ والقبح، وهم الْمُعْتَزلَة وَالْحَنَفِيَّة بعض مقدماته غير مُسلم عِنْد الْمُعْتَزلَة وَهُوَ الْوُجُوب المستلزم للاضطرار، وَبَعضهَا غير مُسلم عِنْد الْحَنَفِيَّة وَهُوَ اقْتِضَاء الْوُجُوب مُطلقًا الِاضْطِرَار الْمنَافِي للاتصاف الْمَذْكُور، وَكَانَ حَاصِل الدّفع من الْقَائِلين بِهِ منع الْوُجُوب مُسْتَندا بِأَن صُدُور الْفِعْل عِنْد الْمُعْتَزلَة على سَبِيل الصِّحَّة وَمنع الِاقْتِضَاء الْمَذْكُور، وَكَانَ حَاصِل دفع الدّفع من قبل الأشاعرة إِثْبَات الْمُدَّعِي بتغيير الدَّلِيل إِلَى مُقَدمَات: مِنْهَا لُزُوم الِانْتِهَاء إِلَى مُرَجّح لَيْسَ من العَبْد، وَهُوَ غير مُسلم عِنْد الْمُعْتَزلَة، وَمِنْهَا بطلَان اسْتِقْلَال العَبْد وَهُوَ كَذَلِك، وَمِنْهَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَمثله عِنْد الْمُعْتَزلَة الخ، وَيفهم مِنْهُ أَن مثله يحسن ويقبح عِنْد الْحَنَفِيَّة وَيصِح بِهِ التَّكْلِيف كَانَ كل وَاحِد من الِاسْتِدْلَال وَمَا غير إِلَيْهِ مركبا من مُقَدمَات مُخْتَلفَة كل مِنْهَا على رَأْي يؤم وكل مِنْهَا مُخْتَلف، وَالْأول مَرْدُود إِلَى الثَّانِي أَو الْعَكْس لكَونه بَدَلا مِنْهُ وَالْمرَاد من الْمُخْتَلف الأول: الأشاعرة، وَمن الثَّانِي الْمُعْتَزلَة، وَمن الرَّد تَوْجِيه إِلْزَام الأشاعرة عَن الْحَنَفِيَّة نَحْو الْمُعْتَزلَة وَالله أعلم.
وَيُؤَيّد هَذَا قَوْله (وَلَا يلْزمنَا) معشر الْحَنَفِيَّة مَا لزم الْمُعْتَزلَة من الدَّلِيل الْمشَار إِلَيْهِ بقوله ثَبت إِلَى آخِره (لِأَن وجود الِاخْتِيَار) فِي الْفِعْل (عندنَا كَاف فِي الْإِنْصَاف) بالْحسنِ والقبح (وَصِحَّة التَّكْلِيف) الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ فَلَا يضر الْوُجُوب الْمَسْبُوق بِالِاخْتِيَارِ (وَهَذَا الدّفع) المفاد بقوله مَدْفُوع إِلَى آخِره (يشْتَرك بَين أهل القَوْل الَّذِي اخترناه) وَهُوَ مَا ذكره ابْن عين الدولة عَن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute