شاهدهم من أَئِمَّة بخاري (وَجمع من الأشاعرة) وهم الَّذين لَيْسَ مرجع نظرهم فِي الْأَفْعَال الْجَبْر (وَلَا ينتهض) هَذَا الدّفع (مِنْهُم) أَي الأشاعرة غير الْجمع الْمَذْكُور (إِذْ مرجع نظرهم فِي الْأَفْعَال الْجَبْر، لِأَن الِاخْتِيَار أَيْضا مَدْفُوع للْعَبد) أَي إِلَيْهِ (بخلقه تَعَالَى لَا صنع لَهُ) أَي للْعَبد (فِيهِ) أَي الِاخْتِيَار، ثمَّ لما ذكر عدم انتهاض مَا ذكر من الأشاعرة الَّذين أدّى نظرهم إِلَى الْجَبْر أَرَادَ أَن يبين لَهُم انتهاضه من الْحَنَفِيَّة فَقَالَ (أما الْحَنَفِيَّة) إِن شاركوا الأشاعرة فِي إِثْبَات الْكسْب للْعَبد لم يشاركوهم فِي تَفْسِيره (فالكسب) عِنْدهم (صرف الْقُدْرَة المخلوقة إِلَى الْقَصْد المصمم إِلَى الْفِعْل) فالجار الثَّانِي مُتَعَلق بِالْقَصْدِ أَو بالمصمم لتَضَمّنه معنى التَّوَجُّه (فأثرها) أَي الْقُدْرَة المخلوقة، لَا قدرَة الله كَمَا زعم الشَّارِح وَإِلَّا يلْزم مَا لزم الأشاعرة من الْجَبْر وَهُوَ ظَاهر (فِي الْقَصْد) الْمَذْكُور (ويخلق) الله (سُبْحَانَهُ الْفِعْل عِنْده) أَي عِنْد الْقَصْد المصمم (بِالْعَادَةِ) أَي بطرِيق الْعَادة بِأَن جرت عَادَة الله أَن يخلق فعل العَبْد بعد قَصده كَمَا جرت عَادَته فِي خلق الْأَشْيَاء عِنْد الْأَسْبَاب الظَّاهِرَة من غير تَأْثِير لتِلْك الْأَسْبَاب وَلَا مدخلية فِيهَا، ثمَّ أَرَادَ أَن يبين أَن تَأْثِير الْقُدْرَة المخلوقة فِي الْقَصْد الْمَذْكُور لَا يُوجب نقصا فِي الْقُدْرَة الْقَدِيمَة فَقَالَ (فَإِن كَانَ الْقَصْد) الْمَذْكُور (حَالا) أَي وَصفا (غير مَوْجُود وَلَا مَعْدُوم) فِي نَفسه قَائِما بموجود (فَلَيْسَ) الْكسْب (بِخلق) إِذْ هُوَ إِخْرَاج الْمَوْجُود من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود فَلَا يلْزم إِثْبَات خَالق غير الله (وَعَلِيهِ) أَي على ثُبُوت الْحَال أَو على كَون الْقَصْد حَالا (جمع من الْمُحَقِّقين) مِنْهُم القَاضِي أَبُو بكر وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ أَولا وَجوزهُ صدر الشَّرِيعَة (وعَلى نَفْيه) أَي الْحَال كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور (فَكَذَلِك) أَي لَيْسَ الْكسْب بِخلق أَيْضا (على مَا قيل) وَالْقَائِل صدر الشَّرِيعَة (الْخلق أَمر إضافي يجب أَن يَقع بِهِ الْمَقْدُور لَا فِي مَحل الْقُدْرَة) أَي لَا فِيمَن قَامَت بِهِ الْقُدْرَة (وَيصِح انْفِرَاد الْقَادِر بإيجاد الْمَقْدُور بذلك الْأَمر) الإضافي (وَالْكَسْب أَمر إضافي يَقع بِهِ) الْمَقْدُور (فِي محلهَا) أَي الْقُدْرَة، وَهَذَا الْقدر كَاف فِي الْفرق بَينهمَا فَقَوله (وَلَا يَصح انْفِرَاده) أَي الْقَادِر (بإيجادها) أَي الْمَقْدُور لزِيَادَة التَّمْيِيز، فأثر الْخَالِق فِي فعل العَبْد إِيجَاد الْفِعْل فِي غَيره، وَأثر الكاسب التَّسَبُّب إِلَى ظُهُور ذَلِك الْفِعْل الْمَخْلُوق على جوارحه (وَلَو بطلت هَذِه التَّفْرِقَة) بَين الْخلق وَالْكَسْب (على تعذره) أَي مَعَ تعذر الْبطلَان الْمَذْكُور بِقِيَام الْبُرْهَان على وجودهَا، لنا مخلص آخر وَهُوَ أَنه (وَجب تَخْصِيص) خلق (الْقَصْد المصمم من عُمُوم الْخلق) الْمَدْلُول عَلَيْهِ بالنصوص الدَّالَّة على أَنه تَعَالَى خلق كل شَيْء (بِالْعقلِ) مُتَعَلق بالتخصيص: أَي بِالدَّلِيلِ الْعقلِيّ لَا السّمع، ثمَّ أَشَارَ إِلَى ذَلِك الدَّلِيل بقوله (لِأَنَّهُ) أَي كَون الْقَصْد المصمم مخلوقا للْعَبد (أدنى مَا يتَحَقَّق بِهِ فَائِدَة خلق الْقُدْرَة) الَّتِي من شَأْنهَا التَّمَكُّن من الْفِعْل وَالتّرْك وينتفى بِهِ الْجَبْر (وَيتَّجه بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute