حسن التَّكْلِيف المستعقب الْعقَاب بِالتّرْكِ وَالثَّوَاب بالامتثال) بل لَا امْتِثَال أصلا وَلَا مَعْصِيّة يَعْنِي إِذا لم يكن لقدرة العَبْد تَأْثِير فِي نفس الْفِعْل وَفِي الْعَزْم الْمَسْبُوق بِهِ الْفِعْل لَا يبْقى لحسن التَّكْلِيف الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَجه، بل لَا يتَحَقَّق من الْمُكَلف امْتِثَال لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْفِعْل والعزم بتأثير الْقُدْرَة الْقَدِيمَة من غير مدخلية للحادثة كَانَ العَبْد مَحْجُورا فيهمَا وَالْفِعْل الاضطراري لَا يتَحَقَّق بِهِ الِامْتِثَال لِأَنَّهُ شَرط فِيهِ الْإِجْبَار وَأَيْضًا لَا مَعْصِيّة: إِذْ هِيَ ارْتِكَاب الْمحرم اخْتِيَارا (قَالُوا) أَي الأشاعرة (خَامِسًا لَو حسن) الْفِعْل (لذاته أَو لصفة أَو اعْتِبَار لم يكن الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُخْتَارًا فِي الحكم) وَذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَي الحكم حِينَئِذٍ (يتَعَيَّن كَونه) أَي الحكم (على وفْق مَا فِي الْفِعْل من الصّفة) الَّتِي هِيَ الْحسن أَو الْقبْح، لِأَن الحكم على خلاف مَا هُوَ الْمَعْقُول قَبِيح لَا يَصح مِنْهُ تَعَالَى، وَفِي التعين نفي الِاخْتِيَار (وَهُوَ) أَي هَذَا الدَّلِيل (وَجه عَام) لرد من عدا الأشاعرة بزعمهم (و) لَكِن (لَا يلْزمنَا) معشر الْحَنَفِيَّة (لِأَنَّهُ) أَي الحكم (إِذا كَانَ قَدِيما عندنَا) لِأَنَّهُ كَلَامه النَّفْسِيّ، بِخِلَاف الْمُعْتَزلَة فَإِن الحكم عِنْدهم حَادث وَحَيْثُ تعين صَار اضطراريا (كَيفَ يكون اختياريا) إِذْ أثر الْفِعْل الْمُخْتَار يجب أَن يكون حَادِثا، فَهُوَ عندنَا فَاعل مُوجب بِالنِّسْبَةِ إِلَى صِفَاته (فَهُوَ) أَي هَذَا التَّعْلِيل (إلزامي على الْمُعْتَزلَة ومدفوع عَنْهُم بِأَن غَايَته) أَي غَايَة مَا يلْزم الْمُعْتَزلَة فِي مقَام التَّأْوِيل (أَنه) تَعَالَى (مُخْتَار فِي مُوَافقَة تعلق حكمه للحكمة) صلَة الْمُوَافقَة: يَعْنِي لَيْسَ بمضطر فِي هَذِه الْمُوَافقَة، فَيصح مِنْهُ أَن يتَعَلَّق حكمه غير مُوَافق لَهَا وَلَا يخفى أَن هَذَا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُم مَعَ القَوْل بِوُجُوب الْأَصْلَح عَلَيْهِ فَإِن قيل المُرَاد بِهَذَا الْوُجُوب بِالْغَيْر وَبِذَلِك الصِّحَّة بِالنّظرِ إِلَى الذَّات قُلْنَا الْمُعْتَبر فِي الِاخْتِيَار الصِّحَّة بِحَسب نفس الْأَمر، لَا بِحَسب الذَّات فَقَط فَتَأمل (وَذَلِكَ) أَي اخْتِيَار تِلْكَ الْمُوَافقَة المستلزم تعلق إِرَادَته بِأحد الطَّرفَيْنِ (لَا يُوجب اضطراره) تَعَالَى فِي الحكم، وَإِنَّمَا يُوجِبهُ الِاضْطِرَار فِيهَا (وَلنَا فِي الثَّانِي) من الْأُمُور الثَّلَاثَة الْمشَار إِلَيْهَا بقوله فِيمَا سبق فتمت ثَلَاثَة: وَهُوَ عدم استلزام اتصاف الْفِعْل بالْحسنِ والقبح حكما فِي العَبْد (لَو تعلق) الحكم بِالْفِعْلِ المتصف بالْحسنِ أَو الْقبْح فِي الْجُمْلَة، لِأَن الْمُدَّعِي سلب كلي ونقيضه إِيجَاب ضَرُورِيّ جزئي (قبل الْبعْثَة لزم التعذيب بِتَرْكِهِ) أَي بترك الْفِعْل الْمُتَعَلّق بِهِ الحكم (فِي الْجُمْلَة) بِأَن لم يتَعَلَّق بِتَرْكِهِ الْعَفو كَذَا ذكر، وَيرد عَلَيْهِ أَنه يجوز الْعَفو فِي جَمِيع صور الْمُخَالفَة، وَيُجَاب بِأَن الشّرك لَا يُعْفَى وَالظَّاهِر أَن قَوْله فِي الْجُمْلَة مَبْنِيّ على مَا ذكرنَا من اعْتِبَار الْإِيجَاب الجزئي فِي جَانب الشَّرْط (وَهُوَ) أَي التعذيب بِتَرْكِهِ قبل الْبعْثَة (مُنْتَفٍ) فَإِن قلت انْتِفَاء التعذيب قبل الْبعْثَة لَا يسْتَلْزم نفي التَّكْلِيف قبلهَا لجَوَاز كَونه مُكَلّفا مُسْتَحقّا للعذاب بِالتّرْكِ معفوا عَنهُ قلت الْآيَة تدل على أَنه لَا يسْتَحقّهُ أَيْضا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute