للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قبلهَا لدلالتها على ثُبُوت الْعذر لَهُم، وكونهم معذورين يُنَافِي اسْتِحْقَاق الْعَذَاب وَالله أعلم (بقوله تَعَالَى {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} قيل أَي وَلَا مثيبين فاستغنى عَن ذكر الثَّوَاب بِذكر الْعَذَاب الَّذِي هُوَ أظهر فِي تحقق معنى التَّكْلِيف (وتخصيصه) أَي الْعَذَاب بِعَذَاب الدُّنْيَا كَمَا جرى للأمم السالفة من مُكَذِّبِي الرُّسُل، أَو بِمَا عدا الْإِيمَان (بِلَا دَلِيل) وَأبْعد من هَذَا أَن يُرَاد بالرسول الْعقل (وَنفي التعذيب) الْمَذْكُور فِي الْآيَة (وَإِن لم يسْتَلْزم نفي التَّكْلِيف) بِالْكُلِّيَّةِ (عِنْد أبي مَنْصُور) وموافقيه لجَوَاز الْعَفو عِنْدهم عَن الْمُكَلف الَّذِي ترك مَا كلف بِهِ كَذَا ذكره الشَّارِح، وَيرد عَلَيْهِ أَن عدم استلزام نفي التعذيب نفي التَّكْلِيف لجوار الْعَفو لَا يخْتَص بِأبي مَنْصُور، فَالْوَجْه أَن يُقَال أَنه لما قَالَ يكون العَبْد مُكَلّفا قبل الْإِرْسَال بِبَعْض الْأَحْكَام دون بعض على مَا ذكر كَانَ معنى الْآيَة عِنْده: مَا كُنَّا معذبين بترك مَا يتَوَقَّف على السّمع (خلافًا للمعتزلة) قَالَ الشَّارِح فَإِنَّهُ يسْتَلْزم عِنْدهم قطعا لعدم تجويزهم الْعَفو جَريا مِنْهُ على مَا أسلف، وَأما على مَا ذَكرْنَاهُ فَمَعْنَاه خلافًا لَهُم فَإِنَّهُم يعممون التَّكْلِيف وَلَا يَقُولُونَ بِمثل مَا قَالَه أَبُو مَنْصُور غير أَنه يروج أَنهم لَا يثبتون بِالْعقلِ بعض الْأَحْكَام، فنفي التعذيب بترك تِلْكَ الْأَحْكَام لَا يسْتَلْزم نفي التَّكْلِيف عِنْدهم أَيْضا وَالْجَوَاب أَن مَا لَا يدْرك الْعقل فِيهِ حسنا أَو قبحا قَلِيل فالتكليف بِالْأَكْثَرِ قبل الْإِرْسَال مَوْجُود، وَتَخْصِيص الْآيَة بذلك الْقَلِيل تَأْوِيل بعيد فَتدبر (لكنه) أَي نفي التعذيب (يستلزمه) أَي نفي التَّكْلِيف عِنْد أبي مَنْصُور (فِي الْجُمْلَة) استلزام نفي التعذيب نفي التَّكْلِيف فِي الْجُمْلَة مَعْنَاهُ أَن نفي التعذيب على ترك فعل يتَوَقَّف حكمه على السّمع يسْتَلْزم نفي التَّكْلِيف بذلك الْفِعْل ونظائره، وَلَا يسْتَلْزم نفي التَّكْلِيف بِمَا لَا يتَوَقَّف حكمه عَلَيْهِ فَعلم أَن المُرَاد بِنَفْي التعذيب بالمحكوم عَلَيْهِ بِعَدَمِ الملزومية لنفي التَّكْلِيف مُطلقًا إِنَّمَا هُوَ نفي التعذيب على ترك بعض الْأَعْمَال لَا على ترك الْعَمَل مُطلقًا، لِأَن نَفْيه على تَركه مُطلقًا لَازمه نفي التَّكْلِيف مُطلقًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِنَّمَا لَا يلْزم) ترك التَّكْلِيف مُطلقًا (فِي) نفي التعذيب (معِين) بِأَن يكون مُتَعَلّقه ترك مَخْصُوص، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْعينِ مَا لَيْسَ صفة للْعُمُوم (فنفيه) أَي التعذيب (مُطلقًا لنفيه) أَي التَّكْلِيف مُطلقًا، فيستدل بالمعلول على الْعلَّة (وَأَيْضًا) يسْتَدلّ على انْتِفَاء التَّكْلِيف بِانْتِفَاء التعذيب بترك الْفِعْل الْمُتَعَلّق بِهِ الحكم عقلا بقوله تَعَالَى (وَلَو أَنا أهلكناهم بِعَذَاب من قبله الْآيَة) أَي لقالوا {رَبنَا لَوْلَا أرْسلت إِلَيْنَا رَسُولا فنتبع آياتك من قبل أَن نذل ونخزى} -: وَجه الِاسْتِدْلَال أَنه تَعَالَى (لم يرد عذرهمْ) وَهُوَ أَنه على تَقْدِير عدم الْإِرْسَال لَا يسْتَحقُّونَ الْعَذَاب، بل هم معذورون لجهلهم (وَأرْسل) إِلَيْهِم رَسُولا (كي لَا يعتذروا بِهِ) وَلم يقل: هَذَا لَيْسَ بِعُذْر، لِأَن الْعقل كَاف فِي معرفَة الْأَحْكَام (وَأَيْضًا)

<<  <  ج: ص:  >  >>