قَالَ فَأَي الْهِجْرَة أفضل، قَالَ الْجِهَاد قَالَ فَأَي الْجِهَاد أفضل؟ قَالَ من عقر جَوَاده وَأُهْرِيقَ دَمه ". قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " ثمَّ عملان هما أفضل الْأَعْمَال إِلَّا من عمل بمثلهما: حجَّة مبرورة أَو عمْرَة مبرورة ". وَمن هُنَا ذهب بَعضهم إِلَى أَن الْجِهَاد أفضل عبادات الْبدن، وَقد يُجَاب عَمَّا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِأَن فرض الْحَج تَأَخّر إِلَى السّنة التَّاسِعَة، وَكَانَ الْجِهَاد فرض عين فِي أول الْإِسْلَام فَلَعَلَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك قبل فرض الْحَج. قَالَ أَحْمد وَغَيره من الْعلمَاء إِن الْجِهَاد أفضل الْأَعْمَال بعد الْفَرَائِض. وَقَالَ مَالك: الْحَج أفضل من الْغَزْو، لِأَن الْغَزْو فرض كِفَايَة، وَالْحج فرض عين، وَكَانَ ابْن عمر يكثر الْحَج وَلَا يكثر الْغَزْو، وَلَكِن يشكل بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " حجَّة لمن لم يحجّ خير من عشر غزوات، وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج ".
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: ذكر الشَّارِح هَذِه الْجُمْلَة فِي مسَائِل غَيرهَا من هَذَا الْجِنْس (وَعبادَة فِيهَا معنى الْمُؤْنَة) هِيَ فعولة على الْأَصَح من مأنت الْقَوْم: إِذا احتملت ثقلهم، وَقيل مفعلة من الأون وَهُوَ أحد جَانِبي الخرج لِأَنَّهُ ثقل، أَو من الأين وَهُوَ التَّعَب والشدة، وَهَذِه الْعِبَادَة (صَدَقَة الْفطر) وَكَونهَا فِيهَا معنى الْمُؤْنَة (إِذْ وَجَبت) على الْمُكَلف (بِسَبَب غَيره) كَمَا وَجب مُؤْنَته روى الْبَيْهَقِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر قَالَ " أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة الْفطر عَن الصَّغِير وَالْكَبِير وَالْحر وَالْعَبْد مِمَّن يمونون، فَإِن الْعِبَادَة الْمَحْضَة لَا تجب على الْغَيْر بِسَبَب الْغَيْر (فَلم يشْتَرط لَهَا كَمَال الْأَهْلِيَّة) كَمَا شَرط للعبادات الْخَالِصَة لقُصُور معنى الْعِبَادَة (فَوَجَبت فِي مَال الصَّغِير وَالْمَجْنُون خلافًا لمُحَمد وَزفر) يتَوَلَّى أداءها الْأَب، ثمَّ وَصِيّه، ثمَّ الْجد، ثمَّ وَصِيّه، ثمَّ وَصِيّ نَصبه القَاضِي عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف أوجباه عَلَيْهِمَا إِلْحَاقًا لَهَا بِنَفَقَة ذِي الرَّحِم الْمحرم مِنْهُمَا فَإِنَّهَا تجب فِي مَالهمَا، إِذا كَانَا غَنِيَّيْنِ باتفاقهم. قَالَ صَاحب الْكَشَّاف ثمَّ تِلْمِيذه قوام الدّين الكاكي قَول مُحَمَّد وَزفر أوضح (وَمؤنَة فِيهَا معنى الْقرْبَة كالعشر: إِذْ الْمُؤْنَة مَا بِهِ بَقَاء الشَّيْء وَبَقَاء الأَرْض فِي أَيْدِينَا بِهِ) أَي بالعشر، لِأَن الله تَعَالَى حكم بِبَقَاء الْعَالم إِلَى الْوَقْت الْمَوْعُود، وَهُوَ بِبَقَاء الأَرْض، وَمَا يخرج من الْقُوت وَغَيره لمن عَلَيْهَا: فَوَجَبت عمارتها وَالنَّفقَة عَلَيْهَا كَمَا أوجب على الْملاك نَفَقَة عبيدهم ودوابهم وبقاؤها إِنَّمَا هُوَ بِجَمَاعَة الْمُسلمين لأَنهم الحافظون لَهَا، أما من حَيْثُ الدُّعَاء وَهُوَ من الضُّعَفَاء المحتاجين فَإِن بهم النَّصْر على الْأَعْدَاء وبهم يمطرون، وَأما من حَيْثُ الذب بِالشَّوْكَةِ عَن الدَّار وغوائل الْكفَّار وهم الْمُقَاتلَة فَوَجَبَ فِي بَعْضهَا الْعشْر نَفَقَة للأولين وَفِي بَعْضهَا الْخراج للآخرين، وَجعلت النَّفَقَة عَلَيْهَا تَقْديرا (وَالْعِبَادَة) فِيهِ (لتَعَلُّقه) أَي الْعشْر (بالنماء) الْحَقِيقِيّ لَهَا، وَهُوَ الْخَارِج مِنْهَا كتعلق الزَّكَاة بِهِ أَو لِأَن مصرفه الْفَقِير كمصرف الزَّكَاة (وَإِذا كَانَت الأَرْض الأَصْل) والنماء وَصفا تَابعا لَهَا (كَانَت الْمُؤْنَة غالبة) فِيهِ (وللعبادة)