(وَلم يُوجد الاستقراء متساويين) أَي مَا اجْتمعَا فِيهِ وهما سَوَاء لَيْسَ أَحدهمَا غَالِبا على الآخر، وَقَوله وَلم يُوجد إِمَّا على صِيغَة الْمَعْلُوم والاستقراء فَاعله، ومتساويين بَين مَفْعُوله، والإسناد الْمجَازِي: إِذْ الاستقراء سَبَب للْعلم بالمساواة، أَو على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْمرَاد بالاستقراء: أَي المستقر لم يُوجد الحقان اللَّذَان تعلق بهما الاستقراء حَال كَونهمَا متساويين فِي مُتَعَلق الحكم (فَالْأول) أَي مَا هُوَ حق الله تَعَالَى على الخلوص (أَقسَام) ثَمَانِيَة بالاستقراء (عبادات مَحْضَة كالإيمان والأركان) الْأَرْبَعَة لِلْإِسْلَامِ وَهِي الصَّلَاة، ثمَّ الزَّكَاة، ثمَّ الصّيام، ثمَّ الْحَج (ثمَّ الْعمرَة، وَالْجهَاد، وَالِاعْتِكَاف وترتيبها) أَي هَذِه الْعِبَادَات (فِي الأشرفية هَكَذَا) أَي على طبق التَّرْتِيب الَّذِي ذكر هَهُنَا أما أشرفية الْإِيمَان مُطلقًا فَلِأَنَّهُ الأَصْل، وَلَا صِحَة لشَيْء مِنْهَا بِدُونِهِ، ثمَّ الصَّلَاة حَيْثُ سَمَّاهَا الله إِيمَانًا فِي قَوْله - {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} -، وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " بَين الرجل وَبَين الشّرك وَالْكفْر ترك الصَّلَاة ". وَفِي البُخَارِيّ عَن ابْن مَسْعُود " قلت يَا رَسُول الله أَي الْأَعْمَال أفضل؟ قَالَ الصَّلَاة على ميقاتها إِلَى غير ذَلِك، وَفِي إِظْهَار شكر نعْمَة الْبدن، ثمَّ الزَّكَاة لِأَنَّهَا تالية الصَّلَاة فِي الْكتاب وَالسّنة، وفيهَا إِظْهَار شكر نعْمَة المَال الَّذِي هُوَ شَقِيق الرّوح، ثمَّ الصَّوْم لِأَنَّهُ لقهر النَّفس ورياضتها، وَلَا يصلح للْخدمَة إِلَّا بهما، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " كل عمل ابْن آدم لَهُ الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف ". قَالَ الله عز وَجل " إِلَّا الصّيام فَإِنَّهُ لي وَأَنا أجزي بِهِ ". وَمن هُنَا ذهب بَعضهم إِلَى أَنه أفضل عبادات الْبدن غير أَنه يجوز أَن يخْتَص الْمَفْضُول بِمَا لَيْسَ للفاضل كفرار الشَّيْطَان من الْأَذَان وَالْإِقَامَة دون الصَّلَاة ثمَّ الْحَج. قَالُوا لِأَنَّهُ عبَادَة هِجْرَة وسفر لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِأَفْعَال يقوم بهَا ببقاع معظمة، وَكَأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى مَا قصد بِالصَّوْمِ من قطع مُرَاد الشَّهَوَات، وقهر النَّفس، وَذهب القَاضِي حُسَيْن من الشَّافِعِيَّة إِلَى أَنه أفضل عبَادَة الْبدن وَفِي الْكَشَّاف أَن أَبَا حنيفَة كَانَ يفاضل بَين الْعِبَادَات قبل أَن يحجّ، فَلَمَّا حج فضل الْحَج على الْعِبَادَات كلهَا لما شَاهد من تِلْكَ الخصائص (قَالُوا وقدمت الْعمرَة وَهِي سنة على الْجِهَاد) وَإِن كَانَ فِي الأَصْل فرض عين ثمَّ صَار فرض كِفَايَة، لِأَن الْمَقْصد وَهُوَ كسر شَوْكَة الْمُشْركين وَدفع أذاهم عَن الْمُسلمين يحصل بِالْبَعْضِ (لِأَنَّهَا من تَوَابِع الْحَج) وأفعالها من جنس أَفعاله (وَلَا يخفى مَا فِيهِ) أَي فِي هَذَا التَّوْجِيه من أَن كَونهَا من توابعه لَا يَقْتَضِي تَقْدِيمهَا على الْجِهَاد. وَقد صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِكَايَة عَن الله تَعَالَى " مَا تقرّب إليّ عَبدِي بِشَيْء أحبّ إليّ مِمَّا افترضته عَلَيْهِ ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " أفضل الْأَعْمَال إِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله، ثمَّ جِهَاد فِي سَبِيل الله، ثمَّ حج مبرور ". وَقد صحّ أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله فأيّ الْإِسْلَام أفضل؟ قَالَ الْإِيمَان، ثمَّ قَالَ فَأَي الْأَعْمَال أفضل؟ قَالَ الْهِجْرَة. قَالَ وَمَا الْهِجْرَة؟ قَالَ أَن تهجر السوء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute