للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والواجبة فجروا على مُوجب ذَلِك فِي الْوَاجِبَة فَقَالُوا: لَا يجوز صرف كَفَّارَة الْيَمين وَالظِّهَار وَالْقَتْل وَجَزَاء الصَّيْد وَعشر الأَرْض، وغلة الْوَقْف إِلَيْهِم إِلَّا إِذا كَانَ الْوَقْف عَلَيْهِم لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون بِمَنْزِلَة الْوَقْف على الْأَغْنِيَاء، فَإِن كَانَ على الْفُقَرَاء وَلم يسمّ بني هَاشم لَا يجوز الصّرْف إِلَيْهِم، وَأما صَدَقَة النَّفْل فَقَالَ فِي النِّهَايَة: يجوز النَّفْل بِالْإِجْمَاع، وَكَذَا يجوز النَّفْل للغني: كَذَا فِي فَتَاوَى العتابي وصرّح فِي الْكَافِي بِدفع صَدَقَة الْوَقْف إِلَيْهِم على أَنه بَيَان الْمَذْهَب من غير نفل خلاف، فَقَالَ: وَأما التطوّع وَالْوَقْف فَيجوز الصّرْف إِلَيْهِم، لِأَن المؤدّي فِي الْوَاجِب يظْهر نَفسه بِإِسْقَاط الْفَرْض فيتدنس المؤدّي كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمل، وَفِي النَّفْل تبرّع بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا يتدنس المؤدّي كمن تبرّد بِالْمَاءِ، إِلَى هُنَا كَلَام المُصَنّف. وَهَذَا هُوَ الْقسم الْخَامِس (وعقوبات كَامِلَة) أَي مَحْضَة لَا يشوبها معنى آخر فَهِيَ كَامِلَة فِي كَونهَا عُقُوبَة وَهِي (الْحُدُود) أَي حدّ الزِّنَا وحدّ السّرقَة وحدّ الشّرْب فَإِنَّهَا شرعت لصيانة الْأَنْسَاب وَالْأَمْوَال والعقول، وموجبها جنايات لَا يشوبها معنى الْإِبَاحَة فَيَقْتَضِي أَن يكون لكلّ مِنْهَا عُقُوبَة كَامِلَة زاجرة عَن ارتكابه حَقًا لله تَعَالَى على الخلوص، وَعَن الْمبرد سميت الْعقُوبَة عُقُوبَة لِأَنَّهَا تتلو الذُّنُوب، من عقبه يعقبه: إِذا اتبعهُ، وَهَذَا هُوَ الْقسم السَّادِس (و) عُقُوبَة (قَاصِرَة) وَهِي (حرمَان الْقَاتِل) إِرْث الْمَقْتُول لقَتله عمدا أَو غَيره على مَا فصل فِي الْفِقْه ثمَّ (كَونه) أَي حرمَان الْقَاتِل (حَقًا لَهُ تَعَالَى لِأَن مَا يجب لغيره) تَعَالَى (بالتعدّي عَلَيْهِ) أَي الْغَيْر يكون (فِيهِ نفع لَهُ) أَي للْغَيْر، والغير هُنَا: الْمَقْتُول (وَلَيْسَ فِي الحرمان نفع للمقتول) فَتعين كَونه لله تَعَالَى زاجرا عَن ارْتِكَاب مثل هَذَا الْعَمَل كالحدّ لِأَن مَا لَا يجب لغيره تَعَالَى يجب لَهُ ضَرُورَة (ومجرّد الْمَنْع) من الْإِرْث (قَاصِر) فِي معنى الْعقُوبَة، لِأَنَّهُ لم يلْحقهُ ألم فِي بدنه وَلَا نُقْصَان فِي مَاله: بل هُوَ مجرّد منع لثُبُوت ملكه فِي التَّرِكَة، وَقيل لَيْسَ لهَذَا الْقسم مِثَال غير هَذَا: وَهَذَا هُوَ الْقسم الرَّابِع (وَحُقُوق هما) أَي الْعِبَادَة والعقوبة مجتمعان (فِيهَا كالكفارات) للْيَمِين وَالْقَتْل وَالظِّهَار وَالْفطر الْعمد فِي نَهَار رَمَضَان، وَكَفَّارَة قتل الصَّيْد للْمحرمِ، وصيد الْحرم، أما أَن فِيهَا معنى الْعِبَادَات فَلِأَنَّهَا تؤدّى بِمَا هُوَ عبَادَة مَحْضَة من عتق أَو صَدَقَة أَو صِيَام، وَيشْتَرط فِيهَا النِّيَّة، وَيُؤمر من هِيَ عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ بِنَفسِهِ بطرِيق الْفَتْوَى، وَلَا يَسْتَوْفِي مِنْهُ جبرا، وَالشَّرْع لم يفوّض إِلَى الْمُكَلف إِقَامَة شَيْء من الْعُقُوبَات على نَفسه بل هِيَ مفوّضة إِلَى الْأَئِمَّة، وتستوفي جبرا، وَأما أَن فِيهَا معنى الْعقُوبَة فَإِنَّهَا لم تجب إِلَّا أجزية على أَفعَال من الْعباد لَا مُبتَدأَة، وَلِهَذَا سميت كَفَّارَات لِأَنَّهَا ستارة للذنوب (وجهة الْعِبَادَة غالبة فِيهَا) بِدَلِيل وُجُوبهَا على أَصْحَاب الْأَعْذَار مثل الخاطئ والناسى وَالْمكْره، وَالْمحرم المضطرّ إِلَى قتل الصَّيْد لمخمصة وَلَو كَانَت جِهَة الْعقُوبَة فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>