وَالنَّفس الناطقة فيدركه) أَي الْقلب (بخلقه تَعَالَى) الْإِدْرَاك فِيهِ من غير تَأْثِير لذَلِك النُّور، (فالنور آلَة إِدْرَاكهَا) أَي النَّفس الناطقة (وَشَرطه) أَي إِدْرَاكهَا (كالضوء لِلْبَصَرِ) أَي كَمَا أَن الضَّوْء شَرط عادي (فِي إيصاله) أَي الْبَصَر المبصرات إِلَى النَّفس الناطقة (وَمُقْتَضى مَا ذكرنَا) من هَذَا التَّعْرِيف (أَن لدرك الْحَواس) جمع حاسة بِمَعْنى الْقُوَّة الحساسة (مبدأ، قيل) وَقد عرفت الْقَائِل (هُوَ) أَي المبدأ (ارتسام المحسوسات) أَي انطباعها (أَي صورها) بِحَذْف الْمُضَاف، لِأَن أَنْفسهَا موجودات خارجية لَا يُمكن ارتسامها (فِيهَا) أَي فِي الْحَواس (ونهايته) أَي نِهَايَة دَرك الْحَواس (فِي الْحَواس الْبَاطِنَة) الْخمس (وَهِي الْحس الْمُشْتَرك فِي مقدم الدِّمَاغ) ينطبع فِيهِ صور المحسوسات كلهَا عِنْد غيبتها عَن الْحَواس الظَّاهِرَة، ومقدمة الْبَطن الأول مِنْهُ الَّذِي هُوَ مبدأ عصب الْحَواس (فيودعها) أَي الْحس الْمُشْتَرك (خزانته الخيال) عطف بَيَان لخزانتها لتحفظها، وَهِي قُوَّة مرتبَة فِي مُؤخر الْبَطن الأول من الدِّمَاغ (ثمَّ المفكرة) وَهِي قُوَّة مرتبَة فِي الْجُزْء الأول من الْبَطن الْأَوْسَط من الدِّمَاغ بهَا يَقع التَّرْكِيب وَالتَّفْصِيل بَين الصُّور المحسوسة الْمَأْخُوذَة من الْحس الْمُشْتَرك والمعاني المدركة بالوهم كإنسان لَهُ رأسان، أَو عديم الرَّأْس، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (تأخذها) أَي المفكرة صور المحسوسات (مِنْهُ) أَي من الْحس الْمُشْتَرك (للتركيب كَمَا تَأْخُذ من خزانَة الْوَهم) أَي الْقُوَّة (الحافظة فِي الْمُؤخر) أَي مُؤخر الدِّمَاغ (مستودعاته) مفعول تَأْخُذ (من الْمعَانِي الْجُزْئِيَّة الْمُتَعَلّقَة بالمحسوس) فالوهم قُوَّة مرتبَة فِي آخر الْبَطن الْأَوْسَط من الدِّمَاغ يدْرك بهَا الْمعَانِي الْجُزْئِيَّة الْمَذْكُورَة (كصداقة زيد) وعداوة عَمْرو، والحافظة قُوَّة مرتبَة فِي الْبَطن الْأَخير مِنْهُ (وَهَذَا الْأَخْذ) الْمعبر عَنهُ بقوله: ثمَّ المفكرة تأخذها مِنْهُ للتركي (ابْتِدَاء عمل الْعقل، وَلما احْتَاجَ) ثُبُوت (هَذِه) الْأُمُور من الْعقل الَّذِي هُوَ الْجَوْهَر المجرّد الْمُتَعَلّق بِالْقَلْبِ والحواس الْبَاطِنَة (إِلَى سمع) أَي دَلِيل سَمْعِي يثبتها (عِنْد كثير من أهل الشَّرْع وَلم يكتف) فِي الِاسْتِدْلَال على وجودهَا (بِكَوْن فَسَاد هَذِه الْبُطُون) الَّتِي هِيَ محالها (يُوجب فَسَاد ذَلِك الْأَثر) الْمَذْكُور من ارتسام صور المحسوسات والتركيب والمعاني الْجُزْئِيَّة (وَكَانَ الْمُحَقق) الَّذِي لَا شُبْهَة فِي وجوده (هُوَ الْإِدْرَاك، وَهُوَ) أَي الْإِدْرَاك (بخلقه تَعَالَى) أَي مخلوقه عِنْد وجود السَّبَب العادي (لم يزدْ القَاضِي الباقلاني على أَن الْعقل بعض الْعُلُوم الضرورية) إِذْ لَو كَانَ كلهَا لزم عدم وجود الْعقل لفاقد الْبَعْض لفقد شَرط من الْتِفَات أَو تجربة أَو تَوَاتر وَنَحْو ذَلِك، والاتفاق على أَنه عَاقل، وَلَو كَانَ الْعلم بالنظريات للَزِمَ مثل ذَلِك (وَالْأَكْثَر) على أَن الْعقل (قُوَّة بهَا إِدْرَاك الكليات للنَّفس) وَقَالَ الإِمَام غريزة يتبعهَا الْعلم بالضروريات عِنْد سَلامَة الْآلَات. وَقَالَ بَعضهم: قُوَّة بهَا يُمَيّز بَين الْأُمُور المستحسنة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute