والقبيحة (ومحلها) أَي الْقُوَّة الَّتِي هِيَ الْعقل (الدِّمَاغ) وَهَذَا الرَّأْي (للفلاسفة) قَالَ الشَّارِح وخصوصا الْأَطِبَّاء وَأحمد فِي رِوَايَة وَأبي الْمعِين النَّسَفِيّ، وَعَزاهُ صدر الْإِسْلَام إِلَى أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، فَقَالَ: وَهُوَ جسم لطيف مضيء مَحَله الرَّأْس عِنْد عَامَّة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وأثره يَقع على الْقلب فَيصير الْقلب مدْركا بِنور الْعقل الْأَشْيَاء كَالْعَيْنِ تصير مدركة بِنور الشَّمْس الْأَشْيَاء. وَاحْتَجُّوا بِأَن الرجل يضْرب فِي رَأسه فيزول عقله وَلَا يَزُول بِضَرْب عُضْو آخر (وَالْقلب) عطف على الدِّمَاغ (اللَّحْم) الصنوبري الشكل الْمُودع فِي الْجَانِب الْأَيْسَر من الصَّدْر، عطف بَيَان للقلب (للأصوليين) كَالْقَاضِي أبي زيد، وشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة لقَوْله تَعَالَى - {فَتكون لَهُم قُلُوب يعْقلُونَ بهَا} {إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب} -: أَي عقل من ذكر الْمحل وَإِرَادَة الْحَال وَأجِيب عَن حجَّة الْأَوَّلين بِأَنَّهُ لَا يمْنَع زَوَال الْعقل وَهُوَ فِي الْقلب بِفساد الدِّمَاغ لما بَينهمَا من الارتباط كَمَا لَا يمْنَع عدم نَبَات شعر اللِّحْيَة بِقطع الاثنيين، وَقيل التَّحْقِيق: أَن أَصله ومادته من الْقلب وَيَنْتَهِي إِلَى الدِّمَاغ (وَهِي) أَي الْقُوَّة الْمُفَسّر بهَا الْعقل (المُرَاد بذلك النُّور وَقَوْلهمْ) أَي الْحَنَفِيَّة (من مُنْتَهى دَرك الْحَواس إِشَارَة إِلَى أَن عمل الْعقل لَيْسَ فِيهَا) أَي فِي مدركات الْحَواس (فَإِنَّهَا مدركات الصّبيان والبهائم) والمجانين، فَعلم أَن مُجَرّد الْحَواس كَاف فِي ذَلِك من غير حَاجَة إِلَى الْعقل (بل) عمل الْعقل (فِيمَا يَنْزعهُ مِنْهَا) أَي المدركات الحسية (وَهُوَ) أَي عمله (عِنْد انْتِهَاء دَرك الْحَواس، وَعَمله التَّرْتِيب السالف) أَي النّظر الْمَذْكُور فِي أول الْكتاب (فيخلق الله عَقِيبه) أَي التَّرْتِيب الْمَذْكُور (علم الْمَطْلُوب بِالْعَادَةِ) من غير وجوب على مَا هُوَ الْحق، وَلَيْسَ المُرَاد من قَوْلهم عِنْد انْتِهَاء دركها أَنه لَا يصدر مِنْهُ عمل إِلَّا عِنْد ذَلِك، بل المُرَاد أَنه لَا عمل لَهُ قبل ذَلِك (وَأما جعل النُّور الْعقل الأول) الثَّابِت (عِنْد الفلاسفة الْجَوْهَر) الْفَرد (الْمُجَرّد عَن الْمَادَّة فِي نَفسه وَفعله) عطف بَيَان لِلْعَقْلِ الأول وَزَعَمُوا أَنه أول الْمَخْلُوقَات، فَالْمُرَاد بِالنورِ الْمنور أَو المضيء بِذَاتِهِ كنور الشَّمْس، فَإِن مَا سوى الشَّمْس مضيء بِغَيْرِهِ وَهُوَ الشَّمْس، وَالشَّمْس مضيء بوصفها وَهُوَ نورها، ونورها مضيء بِذَاتِهِ والجاعل صدر الشَّرِيعَة، لَكِن على سَبِيل الِاحْتِمَال الْمُمكن (فبعيد عَن الصَّوَاب) فَإِن الْأُصُولِيِّينَ جعلُوا الْعقل من صِفَات الْمُكَلف وفسروه بِهَذَا التَّفْسِير، فَكيف يتَصَوَّر أَن يُرَاد بِالنورِ الْمَذْكُور فِي تفسيرهم ذَلِك! (وَكَذَا) بعيد عَن الصَّوَاب (جعله) أَي النُّور الْمَذْكُور (إشراقه) أَي الْأَثر الفائض من هَذَا الْجَوْهَر على نفس الْإِنْسَان كَمَا ذكره صدر الشَّرِيعَة احْتِمَالا آخر مُمكنا، لِأَنَّهُ لَيْسَ من صِفَات الْمُكَلف: بل هُوَ من تَوَابِع ذَلِك الْجَوْهَر: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يتجوز فِيهِ مُسَامَحَة، وَلَا يخفى بعده والاستغناء عَنهُ (مَعَ أَن مَا يحصل بإشراقه) وإفاضة نوره (على النَّفس
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute