للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بعث معَاذ بن جبل إِلَى الْيمن قَالَ: إِنَّك تَأتي قوما من أهل الْكتاب فادعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، فَإِن هم أطاعوك لذَلِك فأعلمهم أَن الله قد افْترض عَلَيْهِم خمس صلوَات فِي كل يَوْم وَلَيْلَة: الحَدِيث إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى، وَلَو لم يجب قبُول خبر لَهُم لم يكن لإرسالهم معنى (والاعتراض) على الِاسْتِدْلَال بإرسال الْآحَاد (بِأَن النزاع إِنَّمَا هُوَ فِي وجوب عمل الْمُجْتَهد) بِخَبَر الْوَاحِد، لَا فِي وجوب عمل بِخَبَر الْمُجْتَهد (سَاقِط لِأَن إرْسَال النَّبِي) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتبليغ الْأَحْكَام (إِذا أَفَادَ وجوب عمل الْمبلغ بِمَا بلغه الْوَاحِد) كَمَا أجمع عَلَيْهِ (كَانَ) إرْسَاله (دَلِيلا فِي مَحل النزاع) وَهُوَ وجوب عمل الْمُجْتَهد بِخَبَر الْوَاحِد وَغَيره: أَي غير مَحل النزاع، وَهُوَ وجوب الْعَمَل على الْمبلغ الَّذِي لَيْسَ بمجتهد، وَيلْزم مِنْهُ وجوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد الَّذِي لَيْسَ برَسُول إِذْ الْمَذْكُور الْعَدَالَة والإخبار عَن الرَّسُول (وَاسْتدلَّ) على الْمُخْتَار لنا (بقوله تَعَالَى فلولا نفر الْآيَة) أَي - {من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُم يحذرون} -: لِأَن الطَّائِفَة تصدق على الْوَاحِد، وَقد جعل منذرا يجب الحذر بإخباره، وَلَوْلَا وجوب قبُول خَبره لما كَانَ كَذَلِك (واستبعد) الِاسْتِدْلَال بهَا (بِأَنَّهُ) أَي التحضيض على النَّفر إِلَى التفقه والإنذار والحذر المتضمن وجوب قبُول خبر كل طَائِفَة من النافرين لإفتائهم: أَي لَا مُجَرّد إخبارهم بِقَرِينَة الْأَمر بالتفقه، فَإِن الْإِفْتَاء هُوَ المتوقف على التفقه لَا مُجَرّد الْإِخْبَار (وَيدْفَع) هَذَا الاستبعاد (بِأَنَّهُ) أَي الْإِنْذَار (أَعم مِنْهُ) أَي الْإِفْتَاء (وَمن أخبارهم) بِمَا يُوجب الْخَوْف والخشية من كَلَام رب الْعِزَّة وَكَلَام رَسُوله، وَمَا استنبط مِنْهُمَا وَلَا ينْحَصر الْإِنْذَار فِي الْإِفْتَاء، بل رب واعظ فِي كَلَامه من الخشية مَا لَا يحصل غَيره بالإفتاء، والتفقه فِي اللُّغَة لَا يسْتَلْزم الْإِفْتَاء (وَأما إِن الَّذين يكتمون) مَا أنزلنَا من الْبَينَات وَالْهدى من بعد مَا بَيناهُ للنَّاس فِي الْكتاب أُولَئِكَ يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وَأَمْثَاله (فَغير مُسْتَلْزم) وجوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد بِنَاء على أَنه لَو لم يجب الْعَمَل بِخَبَرِهِ وَبَيَانه لما كَانَ ملعونا بِالْكِتْمَانِ إِذْ لَا فَائِدَة حِينَئِذٍ فِي إِظْهَاره حَيْثُ لم يلْزم عَلَيْهِم اتِّبَاعه (لجَوَاز نهيهم عَن الكتمان ليحصل التَّوَاتُر بأخبارهم) يَعْنِي لَيْسَ النَّهْي عَن الكتمان لاستلزامه فَوَات وجوب الْعَمَل بِخَبَر كل وَاحِد مِنْهُم بل الْمَقْصُود من النَّهْي عَنهُ أَن يخبر كل وَاحِد فَيحصل بِمَجْمُوع إخبارهم التَّوَاتُر الْمُوجب للْعلم مِنْهُم (و) الِاسْتِدْلَال بقوله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق} الْآيَة أَي بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا من حَيْثُ أَنه أَمر بالتثبت فِي الْفَاسِق فَدلَّ على أَن الْعدْل بِخِلَافِهِ يقبل قَوْله بِلَا تفحص، وَتبين اسْتِدْلَال (بِمَفْهُوم مُخْتَلف فِيهِ) وَهُوَ مَفْهُوم الْمُخَالفَة وَهُوَ مَفْهُوم الصّفة، فالاستدلال بِهِ ضَعِيف (وَلَو صَحَّ) الِاسْتِدْلَال بِهِ كَمَا روى الشَّافِعِي وَغَيره وَمُسلم أَن الْآيَة تدل على أَن حكم الْعدْل بِخِلَاف الْفَاسِق

<<  <  ج: ص:  >  >>