للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذَا، وَلَا يخفى مَا فِيهِ وَالله أعلم بِصِحَّة هَذَا النَّقْل، وَقد يشْتَبه على بعض الطّلبَة كَلَام المدرسين (وَاحْتج) الْمُجيب (الأول) الْقَائِل بِأَن المُرَاد بالمؤاخذة فِي الأولى الأخروية، وَفِي الثَّانِيَة الدُّنْيَوِيَّة فَلَا تكون الْغمُوس وَاسِطَة بَين اللَّغْو والمنعقدة كَمَا يَقُول الْمُجيب الثَّانِي (بِأَن الْمَفْهُوم من) قَول الْقَائِل (لَا يُؤَاخذ بِكَذَا لَكِن) يُؤَاخذ (بِكَذَا عدم الْوَاسِطَة) يَعْنِي إِذا قصد الْمُتَكَلّم بَيَان حكم حَقِيقَة يتَحَقَّق فِي ضمن أَفْرَاد كَثِيرَة بِاعْتِبَار الْمُؤَاخَذَة وَعدمهَا مثلا. فَقَالَ: يُؤَاخذ بِهَذَا الْقسم مِنْهَا وَلَا يُؤَاخذ بِذَاكَ فالمتبادر من هَذَا الْبَيَان أَن لَا يبْقى شَيْء مِنْهَا خَارج من الْقسمَيْنِ، وَإِلَّا لم يكن الْبَيَان وافيا فَيلْزم كَون الْغمُوس فِي اللَّغْو أَو المعقودة وَلَيْسَت بمعقودة فَلَزِمَ دُخُولهَا فِي اللَّغْو فَلَزِمَ أَن لَا يكون المُرَاد بالمؤاخذة المنفية عَن اللَّغْو الأخروية فَيتَعَيَّن الدُّنْيَوِيَّة وَهِي الْكَفَّارَة (وَعند الشَّافِعِي) المُرَاد بالمؤاخذة (فيهمَا) أَي الْآيَتَيْنِ (الدُّنْيَوِيَّة وَهِي) أَي الْغمُوس (دَاخِلَة فِي المعقودة) عِنْده بِنَاء على حمل العقد على عقد الطّلب وعزمه كَقَوْلِه الشَّاعِر:

(عقدت على قلبِي بِأَن يكتم الْهوى ...)

(كَمَا) هِيَ دَاخِلَة (فِي المكسوبة فَلَا تعَارض) بَين الْآيَتَيْنِ لاتِّفَاقهمَا على الْمُؤَاخَذَة فِي الْغمُوس (وَدفعه) أَي دُخُولهَا فِي المعقودة (بِأَن حَقِيقَة العقد) إِنَّمَا تكون (بِغَيْر الْقلب) لِأَن العقد فِي الأَصْل ربط الشَّيْء بالشَّيْء وَذَلِكَ فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاء لما فِيهِ من ربط أحد الْكَلَامَيْنِ بِالْآخرِ، أَو ربط الْكَلَام بِمحل الحكم وَلَيْسَ فِي عزم الْقلب شَيْء مِنْهُمَا، وَصرف الْكَلَام عَن الْحَقِيقَة بِغَيْر ضَرُورَة لَا يجوز (قد يمْنَع) على صِيغَة الْمَجْهُول (بِأَنَّهُ) أَي العقد (أَعم) من أَن يكون فِي الْأَعْيَان أَو الْمعَانِي فَيعم المصطلح وَعقد الْقلب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (يسند إِلَى الْأَعْيَان فيراد) بِهِ (الرَّبْط) لبعضها بِبَعْض (وَإِلَى الْقلب فعزمه) أَي فيراد بِهِ عزم الْقلب (وَكثر) إِطْلَاق العقد عَلَيْهِ (فِي اللُّغَة) وَفِي التَّلْوِيح أَن إِطْلَاقه عَلَيْهِ فِي اللُّغَة أشهر من العقد المصطلح فَإِنَّهُ من مخترعات الْفُقَهَاء وَأجِيب بِأَن العقد فِيمَا لَهُ حكم فِي الْمُسْتَقْبل صَار حَقِيقَة شَرْعِيَّة قَالَ تَعَالَى - {أَوْفوا بِالْعُقُودِ} - وَالْأَمر بالإيفاء لَا يَصح إِلَّا فِيمَا لَهُ حكم فِي الْمُسْتَقْبل (بل) الأولى فِي الْجَواب أَن يُقَال (الظَّاهِر) أَن المُرَاد بالمؤاخذة (فِي) الْآيَة (الأولى الأخروية للإضافة إِلَى كسب الْقلب) إِذْ الْغَالِب فِي الْمُؤَاخَذَة على عمل الْقلب والأخروية، على أَن الْغمُوس كَبِيرَة مَحْضَة لَا تناسب الْكَفَّارَة الدائرة بَين الْعباد والعقوبة، وَأَيْضًا فالمتبادر من الْمُؤَاخَذَة إِذا أطلقت أَن تكون بِحَسب الْآخِرَة (وَهَذَا) الْجمع بَين هَاتين الْآيَتَيْنِ (جمع من قبل الحكم) إِذْ الِاخْتِلَاف بَين الْآيَتَيْنِ إِنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَار الْمُؤَاخَذَة فِي الْغمُوس وَعدمهَا اللَّتَيْنِ كَانَا حكم الْآيَتَيْنِ فيتصرف فِي مفهومهما بتعميمه بِحَيْثُ انقسمت إِلَى الأخروية والدنيوية فَجعلت احداهما مَحل الْإِثْبَات وَالْأُخْرَى مَحل النَّفْي لِئَلَّا يتحد موردهما

<<  <  ج: ص:  >  >>