الْمَحْصُول مَعْنَاهُ لم يتقدمه من الْكتب مَا يُبطلهُ وَلَا يَأْتِي بعده مَا يُبطلهُ وَأجَاب آخَرُونَ بِأَنا لَا نسلم أَن النّسخ إبِْطَال، سلمنَا أَنه إبِْطَال، لَكِن نمْنَع أَن هَذَا الْإِبْطَال بَاطِل: بل هُوَ حق - يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت -. (لنا لَا يلْزم قطعا مِنْهُ) أَي النّسخ (محَال عَقْلِي إِن لم تعْتَبر الْمصَالح) أَي رِعَايَة جلب مَنْفَعَة أَو دفع مضرَّة فِي التكاليف (فَظَاهر) عدم لُزُومه، إِذْ على ذَلِك التَّقْدِير لَا يقْصد مِنْهَا إِلَّا الِابْتِلَاء وَالله تَعَالَى يفعل الله مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد من غير اعْتِبَار مصلحَة فِي حكمه (وَإِن) اعْتبر الْمصَالح فِيهَا (فلاختلافها) أَي الْمصَالح (بالأوقات) أَي بِحَسب اختلافها كشرب الدَّوَاء نَافِع فِي وَقت ضار فِي آخر (فيختلف حسن الشَّيْء وقبحه) باخْتلَاف الْأَوْقَاف (وَالْأَحْوَال) مَعْطُوف على الْأَوْقَات أَي وباختلاف الْأَحْوَال فاختلاف الْمصَالح تَارَة ينشأ من اخْتِلَاف الْأَوْقَات، وَأُخْرَى باخْتلَاف أَحْوَال الْمُكَلّفين، فاختلاف الْأَوْقَات لذَلِك بِدُونِ الْأَحْوَال غير ظَاهر (فَبَطل قَوْلهم) أَي مانعي جَوَازه عقلا (النَّهْي يَقْتَضِي الْقبْح وَالْوُجُوب الْحسن فَلَو صَحَّ) كَون الْفِعْل الْوَاحِد مَنْهِيّا مَأْمُورا بِهِ (حسن وقبح) وَهُوَ محَال لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاع الضدين، وَوجه الْبطلَان أَن الْمحَال اجْتِمَاع الْحسن والقبح من جِهَة وَاحِدَة، وَعند اخْتِلَاف الْجِهَة لَا مَحْذُور فِيهِ كَمَا إِذا كَانَ فِي قتل شخص صَلَاح للْعَالم فَإِن قَتله قَبِيح بِالنّظرِ إِلَى ذَاته حسن بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَلَاح الْعَالم (وَلِأَنَّهُ) أَي نسخ الحكم (إِن) كَانَ (لحكمة ظَهرت) لَهُ تَعَالَى (بعد عَدمه) أَي عدم ظُهُورهَا عِنْد شرع الحكم الأول (فبداء) بِالْمدِّ أَي ظُهُور بعد الخفاء، وَهُوَ محَال عَلَيْهِ تَعَالَى لاستلزامه الْعلم بعد الْجَهْل (أَولا) لحكمة ظَهرت لَهُ تَعَالَى (وَهُوَ) أَي مَا لَا يكون لحكمة من الْأَحْكَام (الْعَبَث) وَهُوَ فعل الشَّيْء لَا لغَرَض صَحِيح، وَهُوَ محَال على الله سُبْحَانَهُ (وَإِنَّمَا يكون) أَي يتَحَقَّق مَا ذكرُوا (لَو نسخ مَا حسن) لنَفسِهِ (وقبح لنَفسِهِ كالإيمان وَالْكفْر) وَمحل النزاع مَا حسن وقبح لغيره، ثمَّ هَذَا كُله عِنْد غير الأشاعرة (أما الأشاعرة فيمنعون وجوده) أَي وجود كل من الْحسن والقبح عقلا، فالحسن عِنْدهم مَا حسنه الشَّرْع والقبيح مَا قبحه فالمنسوخ كَانَ حسنا فِي وقته والناسخ صَار حسنا فِي وقته (وَأما الْوُقُوع فَفِي التَّوْرَاة أَمر آدم بتزويج بَنَاته من بنيه) أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس كَانَ لَا يُولد لآدَم غُلَام إِلَّا ولدت مَعَه جَارِيَة فَكَانَ يُزَوّج توءمة هَذَا للْآخر وتوءمة الآخر لهَذَا، وَقد حرم فِي شَرِيعَة من بعده من الْأَنْبِيَاء اتِّفَاقًا وَهَذَا هُوَ النّسخ (وَفِي السّفر الأول) من التَّوْرَاة (قَالَ تَعَالَى لنوح) عِنْد خُرُوجه من الْفلك (إِنِّي جعلت كل دَابَّة حَيَّة مأكلا لَك ولذريتك) وأطلقت ذَلِك أَي أبحت كنبات العشب مَا خلا الدَّم فَلَا تأكلوه (ثمَّ حرم مِنْهَا) أَي من الدَّوَابّ على من بعده (على لِسَان مُوسَى كثير) مِنْهَا كَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ السّفر الثَّالِث من التَّوْرَاة. (وَأما الِاسْتِدْلَال) عَلَيْهِم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute