ذَلِك مِمَّا لَا يَسعهُ الْمقَام، وَهَذَا طَرِيق الْغَزالِيّ وَاسْتَحْسنهُ ابْن الْحَاجِب (وَمِنْهَا) قَوْله تَعَالَى - {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم} - (وَهُوَ) أَي غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ (أَعم من الْكفْر) فَيعم مَا يُخَالف إِجْمَاعهم (جمع بَينه) أَي اتِّبَاع غير سبيلهم (وَبَين المشاقة) للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فِي الْوَعيد فَيحرم) اتِّبَاع غير سبيلهم، إِذْ لَا يضم مُبَاح إِلَى حرَام فِي الْوَعيد، وَإِذا حرم اتِّبَاع غير سبيلهم يجب اتِّبَاع سبيلهم، لِأَن ترك اتِّبَاع سبيلهم اتِّبَاع لسبيل غَيرهم فَتَأمل (ويعترض) هَذَا الِاسْتِدْلَال (بِأَنَّهُ إِثْبَات حجية الْإِجْمَاع بِمَا) أَي بِشَيْء (لم تثبت حجيته) أَي ذَلِك الشَّيْء (إِلَّا بِهِ) أَي بِالْإِجْمَاع (وَهُوَ) أَي ذَلِك الشَّيْء (الظَّاهِر) وَهُوَ الْآيَة الْكَرِيمَة (لعدم قَطْعِيَّة) لفظ (سَبِيل الْمُؤمنِينَ فِي خُصُوص الْمُدَّعِي) وَهُوَ مَا أجمع عَلَيْهِ، لجَوَاز أَن يُرَاد سبيلهم فِي مُتَابعَة الرَّسُول، أَو فِي مناصرته، أَو فِيمَا صَارُوا بِهِ مُؤمنين، وَإِذا قَامَ الِاحْتِمَالَات كَانَ غَايَته الظُّهُور، والتمسك بِالظَّاهِرِ إِنَّمَا ثَبت بِالْإِجْمَاع على التَّمَسُّك بالظواهر المفيدة للظن إِذْ لولاه لوَجَبَ الْعَمَل بِالدّلَالَةِ الْمَانِعَة من اتِّبَاع الظَّن نَحْو قَوْله تَعَالَى - {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} - فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ إِثْبَاتًا للْإِجْمَاع بِمَا لم تثبت حجيته إِلَّا بِهِ فَيصير دورا، قَالَ الشَّارِح: وأفادنا المُصَنّف فِي الدَّرْس بِأَنَّهُ يُمكن الْجَواب عَن هَذَا على طَريقَة أَكثر الْحَنَفِيَّة بِأَن هَذَا الِاحْتِمَال لَا يقْدَح فِي قطعيته، فَإِن حكم الْعَام عِنْدهم ثُبُوت الحكم فِيمَا تنَاوله قطعا ويقينا فَيتم التَّمَسُّك بِهِ من غير احْتِيَاج إِلَى الْإِجْمَاع الْمَذْكُور انْتهى: يَعْنِي أَن سَبِيل الْمُؤمنِينَ عَام يتَنَاوَل جَمِيع تِلْكَ الِاحْتِمَالَات فيعمها، وَمن جُمْلَتهَا خُصُوص الْمُدَّعِي، ثمَّ قَالَ إِلَّا أَن السُّبْكِيّ ذكر أَن الشَّافِعِي استنبط الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الْآيَة على حجية الْإِجْمَاع وَأَنه لم يسْبق إِلَيْهِ. وَحكى أَنه تَلا الْقُرْآن ثَلَاث مَرَّات حَتَّى استخرجه، روى ذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل وَلم يدع: أَعنِي الشَّافِعِي الْقطع فِيهِ انْتهى. فَإِذا ادّعى الظَّن فَلَا إِشْكَال لَكِن الْمَطْلُوب الْقطع وَإِن ادّعى الْقطع أشكل بقوله بظنية دلَالَة الْعَام.
وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا لَا يضر الْحَنَفِيَّة إِذا احْتَجُّوا بِهِ لإِفَادَة الْقطع (وَالِاسْتِدْلَال) على حجية الْإِجْمَاع كَمَا ذكره إِمَام الْحَرَمَيْنِ (بِأَنَّهُ) أَي الْإِجْمَاع (يدل على) وجود دَلِيل (قَاطع فِي الحكم) الْمجمع عَلَيْهِ (عَادَة) فحجيته قطعا بذلك الْقَاطِع (مَمْنُوع) فَإِن مُسْتَند الْإِجْمَاع قد يكون ظنيا، نعم يمْتَنع عَادَة اتِّفَاقهم على مظنون دق فِيهِ النّظر، لَا فِي الْقيَاس الْجَلِيّ وَنَظِيره من أَخْبَار الْآحَاد (بِخِلَاف مَا تقدم) من إِجْمَاع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ على حجية الْإِجْمَاع (فَإِنَّهُ) أَي الْقطع بِهِ (قطع كل) أَي قطع كل وَاحِد من المجمعين بالمجمع عَلَيْهِ قبل انْعِقَاد الْإِجْمَاع وَإِن لم يقدمهُ على الْقَاطِع (وَالْقطع هُنَا) أَي فِيمَا سوى ذَلِك الْفَرد الْخَاص من سَائِر أَفْرَاد الْإِجْمَاع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute