الْقَضَاء (بِبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد الْمُخْتَلف) فِيهِ جَوَازًا وَعدم جَوَاز (للصحابة) مُتَعَلق بالمختلف، وَهُوَ صفة بيع الْأُمَّهَات، وَذكر الشَّارِح أَن سَبَب الِاخْتِلَاف أَنه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوَرَثَة باعوا أم ولد " لَا تَبِيعُوهَا وأعتقوها فَإِذا سَمِعْتُمْ برقائق فائتوني أعوضكم مِنْهَا ". فَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَينهم بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ بَعضهم: أم الْوَلَد مَمْلُوكَة وَلَوْلَا ذَلِك لم يعوضهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ بَعضهم: بل هِيَ حرَّة أعْتقهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ (الْمجمع للتابعين على أحد قوليهم) أَي الصَّحَابَة فِيهِ صفة أُخْرَى للْبيع الْمَذْكُور، ثمَّ بَين أحد الْقَوْلَيْنِ بقوله (من الْمَنْع) عَن بيعهَا (لَا ينفذ) الْقَضَاء لصِحَّة بيعهنَّ (عِنْد مُحَمَّد) لِأَنَّهُ قَضَاء بِخِلَاف الْإِجْمَاع لِأَن جَوَاز البيع لم يبْق اجتهاديا بِالْإِجْمَاع فِي الْعَصْر الثَّانِي، وَمحل النَّفاذ فِي الخلافية لَا بُد أَن يكون اجتهاديا. (وَعَن أبي حنيفَة) أَنه (ينفذ) لِأَن الْخلاف السَّابِق منع انْعِقَاد الْإِجْمَاع الْمُتَأَخر فَلَا ينْقض الْقَضَاء (وَلأبي يُوسُف مثلهمَا). ذكره السَّرخسِيّ مَعَ أبي حنيفَة وَصَاحب الْمِيزَان مَعَ مُحَمَّد (وَالْأَظْهَر) من الرِّوَايَات كَمَا فِي الْفُصُول الاستروشنية وَغَيرهَا (لَا ينفذ عِنْدهم) أَي الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة جَمِيعًا، فِي التَّقْوِيم أَن مُحَمَّدًا روى عَنْهُم جَمِيعًا أَن الْقَضَاء بِبيع أم الْوَلَد لَا يجوز، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَفِيه أَن كلامنا فِي النَّفاذ لَا الْجَوَاز، وَكم من تصرف غير جَائِز لكنه بعد الْوُقُوع ينفذ (وَفِي الْجَامِع يتَوَقَّف) نفاذه (على إِمْضَاء قَاض آخر) أَن إمضاه نفذ وَإِلَّا بَطل، وَلما كَانَ يَقْتَضِي قَوْله وَالْأَظْهَر الخ عدم النَّفاذ عِنْد الْكل مُطلقًا، وَهُوَ مُوجب عِنْدهم اشْتِرَاط انْتِفَاء سبق الْخلاف، وَمَا فِي الْجَامِع يدل على النَّفاذ على تَقْدِير إِمْضَاء قَاض آخر، وَبَينهمَا نوع تدافع أَرَادَ أَن يدْفع ذَلِك، فَقَالَ (فالتخريج لهَذَا القَوْل) كَمَا فِي الْجَامِع واستنباط الْمَعْنى الفقهي فِيهِ بِنَاء (على عَدمه) أَي اشْتِرَاط انْتِفَاء الْخلاف السَّابِق لحجية الْإِجْمَاع اللَّاحِق (أَن) الْإِجْمَاع (الْمَسْبُوق) بِخِلَاف مُسْتَقر (مُخْتَلف) فِي كَونه إِجْمَاعًا، فَعِنْدَ الْأَكْثَر إِجْمَاع، وَعند الآخرين لَيْسَ بِإِجْمَاع (فَفِيهِ) أَي فَفِي كَونه إِجْمَاعًا (شُبْهَة) عِنْد من جعله إِجْمَاعًا، وَكَذَا لَا يكفر جاحده وَلَا يضلل (فَكَذَا مُتَعَلّقه) أَي فَكَمَا أَن فِي نفس هَذَا الْإِجْمَاع شُبْهَة كَذَلِك فِي مُتَعَلّقه الَّذِي هُوَ الحكم الْمجمع عَلَيْهِ شُبْهَة (فَهُوَ) أَي فالقضاء بذلك نَافِذ لِأَنَّهُ لَيْسَ بمخالف للْإِجْمَاع الْقطعِي: بل للْإِجْمَاع الْمُخْتَلف فِيهِ فَكَانَ (كقضاء فِي مُجْتَهد) فِيهِ أَي فِي حكم اخْتلف فِيهِ فَإِن قلت هُوَ من أَفْرَاد الْقَضَاء فِي الحكم الْمُخْتَلف فِيهِ فَمَا معنى قَوْله كقضاء فِي مُجْتَهد قلت الْمُشبه بِهِ قَضَاء لَا شُبْهَة فِي كَون مُتَعَلّقه مُجْتَهدا فِيهِ لعدم تعلق الْإِجْمَاع بِهِ أصلا لَا الْقطعِي وَلَا الظني فَكَانَ مُقْتَضى ذَلِك أَن لَا يحْتَاج نفاذه إِلَى إِمْضَاء قَاض آخر بل يكون لَازِما لكَونه قَضَاء صَادف مَحَله، لكنه لما كَانَ حجية هَذَا الْإِجْمَاع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute