للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذم لمذموم إلا مع بُغضه، وهو -سبحانه- له الحمد في الأولى والآخرة.

وأول ما نطق به آدم: الحمد لله رب العالمين، وأول ما سمع من ربه: يرحمك ربك، وآخر دعوى أهل الجنة: أن الحمد لله رب العالمين، وأول مَن يدعى إلى الجنة الحمَّادون، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- صاحب لواء الحمد، آدم فمن دونه تحت لوائه، وهو صاحب المقام المحمود الذي يَغبِطه به الأولون والآخرون؛ فلا تكون عبادة إلا بحب المعبود، ولا يكون حمد إلا بحب المحمود، وهو -سبحانه- المعبود المحمود» (١)؛ اهـ.

والألف واللام في {الْحَمْدُ} للاستغراق، ليعم جميع المحامد، ولتكون كلها لله وحده لا شريك له، وفي ذلك إيذانًا لعباده أن يحمدوه على إنعامه وإفضاله ويشكروه على جزيل نعمه وآلائه، فيكون حمد العباد لخالقهم باللِّسان والجنان والأركان، فيكون نطقًا وإقرارًا وثناءً على الله المنعم المتفضل باللسان، وتصديقًا واعترافًا بالنعم بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، وفيه حثّ لهم على تعبيد نعمه له سبحانه واستعمالها فيما يقربه لديه ويرضيه، فلا يستعينوا بنعمه على معصيته، فيكون ذلك منهم جحودًا لها ونكرانًا وكفرانًا.

«فيجب على كلِّ مكلَّف أن يَعتقد أنَّ الحمد على الإطلاق إنَّما هو لله، وأنَّ الألف واللام للاستغراق لا للعَهد، فهو الذي يستحقُّ جميعَ المحامد بأسرِها، فنحمده على كلِّ نعمة وعلى كلِّ حالٍ بمحامده كلِّها، ما عُلِم منها وما لم يُعلم … ، ثمَّ يجب عليه أن يسعى في خصال الحمد؛ وهي التخلُّق بالأخلاق الحميدة والأفعالِ الجميلة». اهـ (٢).

والرب العظيم الغني عن خلقه أجمعين، يحب من عباده أن يحمدوه، فلما حمد الله ذاته العلية فإنه تعالى يحب ذلك أيضًا من عباده، ويدل على ذلك ما ثبت صريحًا من حديث الأسود بن سريعٍ (٣) -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسُول الله، ألا أنشدُك محامِد


(١) منهاج السنة النبوية (٥/ ٤٠٥).
(٢) الأسنى في شرح الأسماء الحسنى (١/ ١٩٠)
(٣) الأسود بن سريع التميمي، صحابي وفارس وشاعر، عاش في البصرة، وشهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أربع من غزواته. أسد الغابة (١/ ٢٢٩) -أًسد الغابة في معرفة الصحابة.

<<  <   >  >>