للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى هذا أكثر أهل التفسير (١).

وهؤلاء هم الذين أنعم الله عليهم فأكرمهم واصطفاهم واجتباهم، فذاقوا النعيم مرتين؛ نعيم الدارين، أما نعيم الدنيا: فهم منعمون فيها بهدايته وعبادته وطاعته، وأما نعيم الآخرة: فهم منعمون في البرزخ وفي دار القرار بالنجاة من النيران، وسكنى الجنان، وجوار الكريم المنان، قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ … لَفِي جَحِيمٍ (١٤)} [الانفطار ١٣ - ١٤].

«ولا تحسب أن قوله تعالى: «في هذه الآيةمقصور على نعيم الآخرة وجحيمها فقط بل في دورهم الثلاثة كذلك -أعني: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار- فهؤلاء في نعيم، وهؤلاء في جحيم، وهل النعيم إلا نعيم القلب؟ وهل العذاب إلا عذاب القلب؟ وأيُّ عذاب أشد من الخوف والهم والحزن، وضيق الصدر، وإعراضه عن الله والدار الآخرة، وتعلقه بغير الله، وانقطاعه عن الله، بكل وادٍ منه شعبة؟ وكل شيء تعلق به وأحبه من دون الله فإنه يسومه سوء العذاب» (٢).

ثانيًا: أخص صفاتهم إجمالًا.

يقول في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «أهل الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، الَّذين عرفُوا الْحق واتَّبعوه، فَلم يَكُونُوا من المغضوب عَلَيْهِم، وَلَا الضَّالّين، فأخلصوا دينهم لله، وَأَسْلمُوا وُجُوههم لله، وأنابوا إِلَى رَبهم، وأحبّوه، ورجوه، وخافوه، وسألوه، وَرَغبُوا إِلَيْهِ، وفوَّضوا أُمُورهم إِلَيْهِ، وتوكَّلوا عَلَيْهِ، وأطاعوا رُسُله، وعزَّروهم، ووقَّروهم، وأحبّوهم، ووالوهم، واتَّبعوهم، واقتفوا آثَارهم، واهتدوا بمنارهم. وَذَلِكَ هُوَ دين الْإِسْلَام الَّذِي بعث اللهُ بِهِ الْأَوَّلين والآخرين من الرُّسُل، وَهُوَ الدَّين الَّذِي لَا يقبل اللهُ من أحدٍ دينًا إِلَّا إِيَّاه، وَهُوَ حَقِيقَة الْعِبَادَة لرب الْعَالمين» (٣).


(١) تفسير القرآن العظيم) ١/ ١٤٠ (.
(٢) الداء والدواء لابن القيم (١/ ٧٧).
(٣) العبودية (ص: ١٤٩، ١٥١).

<<  <   >  >>