للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الخلق في حاجة لقدوات يتأسون بهم ويهتدون بهديهم، والمنعم عليهم إذ لو لم يكونوا قدوة يُؤتسى ويُقتدى بهم لما أمر الله عباده أن يدعوه ويسألوه الهداية لهذا الصراط الذي سلكوه -صراط الذين أنعم الله عليهم-.

قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)} [السجدة] أي: «قَادَةً فِي الْخَيْرِ يُقْتَدَى بِهِمْ» (١).

يقول ابن القيم -رحمه الله-: «سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: بالصبر واليقين تُنالُ الإمامةُ في الدين. ثم تلا قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)(٢).

٧ - أنهم قلة في الناس.

ووجه الدلالة على ذلك أنهم طائفة واحدة مهتدية مقابلة طائفتين، طائفة مغضوب عليها وطائفة ضالة، والله تعالى في كتابه يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (١١٦)} [الأنعام].

أي: «فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن دين الله» (٣).

وذلك «لأن الأكثر في غالب الأمر يتبعون هواهم» (٤).

وفي حديث الافتراق سالف الذكر يقول -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ» (٥)، فقوله: «طَائِفَةٌ» فيه دلالة على قلتهم، والوصف في الحديث وإن كان خاصًّا بطائفة من الأمة وهم أهل السنة والجماعة، فلا شك أنهم المنعم عليهم في زمانهم، وهذا وصف عام لأهل الحق في كل زمان ومكان.


(١) تفسير البغوي (٦/ ٣١٠).
(٢) مدارج السالكين (٢/ ٢٤٢).
(٣) الطبري (١٢/ ٦٤).
(٤) الكشاف (٢/ ١٦٥).
(٥) البخاري (٧٣١١) ومسلم (١٥٦).

<<  <   >  >>