للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهْوَ يُؤْكَلُ» (١).

وبعد هذا البيان يتضح للمتأمل عبودية المخلوقات كلها لربها جل في علاه، العوالم كلها علويها وسفليها، الجن والإنس والملائكة، والسموات العلا وما فيها وما حوته من كواكب وأجرام وشمس وقمر ونجوم وأفلاك وغيرها مما لا يعلمه إلا الله، والأرض وما فيها من جبال وأنهار وبحار وقفار وجنات ونبات وحيوان ووحش وطير ودواب وهوام وجمادات وغيرها من مخلوقات الله ما علمنا منها وما لم نعلم، الكل أقر بعبوديته لله وسبح بحمده وأقر بربوبيته وألوهيته فوحده وقدسه وخضع لكبريائه وعظمته وسجد له وخشع وعبده سبحانه خوفًا وطمعًا رغبًا ورهبًا.

وحقيقٌ ببني آدم أن يكونوا في طليعة هذه الكائنات التي خضعت لعبودية الله، فالإنسان من أفقر المخلوقات لبارئها وهو مع ذلك من أكثرها تمردًا وعصيانًا وجحودًا وإنكارًا لربه ولنعمه، قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦)} [العاديات].

«أَيْ: طُبِعَ الْإِنْسَانُ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه-: {لَكَنُودٌ}: لَكَفُورٌ جَحُودٍ لِنِعَمِ اللَّهِ.

وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَسَن، وَقَالَ: يَذْكُرُ الْمَصَائِبَ وَيَنْسَى النِّعَمَ» (٢).

فـ «مَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ، فَلْيَلْزَمْ عَتَبَةَ الْعُبُودِيَّةِ. فَأَسْعَدُ الْخَلْقِ: أَعْظَمُهُمْ عُبُودِيَّةً لِلَّهِ» (٣).

ثالثا [*]: عبودية الاستعانة، في قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)}.

لايزال الحديث متصلًا عن أبرز الموضوعات التي تناولتها السورة الكريمة، والكلام لا يزال متصلًا عن الموضع الرابع ألا وهو: أن أصل الدين مبنيٌّ على أصلين


(١) البخاري (٣٥٧٩).
(٢) تفسير القرطبي (٢٠/ ١٤٣).
(٣) مجموع الفتاوى (١/ ٣٩).

[*] تعليق الشاملة: بالمطبوع «ثانيا»

<<  <   >  >>