للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[والنمل أمة معظمة للعلم داعية لأهله]

ومن دلائل عبودية النمل لله تعالى الدعاء لمعلم الناس الخير الذي يدل المخلوق على الخالق جل في علاه.

فقد ثبت عند الطبراني والترمذي وصححه الألباني من حديث أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» (١).

أي: «يستغفرون لهم، وذكر النَّملة والحوت بعد ذكر الثَّقلين والملائكة تتميمٌ لجميع أنواع الحيوان على طريقة الرَّحمان الرَّحيم، وخصَّ النَّملة والحوت بالذِّكر للدلالة على إنزال المطر وحصول الخير والخصب ببركتهم، كما قال: بهم تنصرون وبهم ترزقون، حتَّى أن الحوت الَّذي لا يفتقر إلى العلماء اِفْتقار غيره لكونه في جوف الماء يعيش أبدًا ببركتهم، وأمَّا إلهام الحيوانات الاسْتغفار له، فقيل: لأنَّها خُلقت لمصالح العباد ومنافعهم، والعُلماء هم المبيِّنون ما يحلُّ منها وما يحرم، ويُوصون بالإحسان إليها، ودفع الضُّر عنها، حتَّى بإحسان القِتلة، والنَّهي عَنِ المُثلة، فاسْتغفارهم لهُ شكرٌ لذلك النّعمة (٢)، وذلك في حقِّ البشر آكد لأنَّ اِحتياجهم إلى العلم أشدٌّ وعود فوائده عليهم أتمٌّ.» (٣) اهـ.

[ومن مشاهد عبودية الجمادات كذلك، عبودية الحجارة والجبال]

والحجارة تهبِطُ من علوِّها خشيةً لله وتعظيمًا، خضوعًا له وإجلالًا، مقترنًا ذلك كله بالتسبيح والتقديس لخالقها مع ذل وانكسار لله يعتريها قال -عز وجل-: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا


(١) الترمذي (٢٦٨٥). وقال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء (١/ ١٨): قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وفى نسخة غَرِيب، وقال الألباني: صحيح في صحيح الجامع. (١٨٣٨).
(٢) الأصل أن يُقال: لتلك النعمة لكونها (مؤنث) وحتى ينتظم الكلام. ولعله تصحيف من الكتبة أو النسّاخين.
(٣) فيض القدير للمناوي (٤/ ٤٣٢ - ٤٣٣)، بتصرف.

<<  <   >  >>