للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم عرج -رحمه الله- على مقام العبودية وأن العبد كلما تمكن في منازل العبودية كانت عبوديته أعظم، وكلما ارتفع قدر العبد علمًا ومنزلة ومكانة، كانت عبوديته أعظم وآكد، كعبودية المرسلين وعبودية أولي العزم منهم، وعبودية ورثة الأنبياء من العلماء الربانيين.

٧ - وأن المؤمن يعبد الله في الشدة والرخاء، وأما الكافر فلا يعبد الله إلا في الشدائد، قال الله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥)} [العنكبوت].

٨ - أن العبودية مع كون مضمونها الذل والخضوع والافتقار فهي متضمنة لأعلى مقامات العبد، فهي المنزلة الرفيعة السامية العالية التي ارتضاها الله لأشرف خلقه -صلى الله عليه وسلم-، وارتضاها هو -صلى الله عليه وسلم- لنفسه حيث يقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» (١).

ثانيًا: عبودية البشر.

[أ-عبودية الأنبياء والمرسلين]

وأعظمها وأجلها وأعلاها قدرًا عبودية النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «حقق الله له نعت العبودية في أرفع مقاماته حيث قال {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: ١]، وكما قال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠)} [النجم]، وكما قال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا … يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (١٩)} [الجن]، ولهذا يشرع في التشهد وفى سائر الخطب المشروعة كخطب الجمع والأعياد وخطب الحاجات عند النكاح وغيره أن نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» (٢).

هذا ولقد وُصِفَ النبيُ -صلى الله عليه وسلم- في كتاب الله بالعبودية في أشرف المقامات وأعلاها


(١) البخاري (٣٤٤٥) من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
(٢) مجموع الفتاوى (١/ ٦٦).

<<  <   >  >>