للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الحديد: ٧]، {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: ٤٣]، وقد تضمن هذا الدليل على أن كفار الإنس مخاطبون بها، وكذلك كفار الجن؛ لتوجه القرآن بجميع ما فيه إلى مؤمني الجنسين وكفارهم» (١).

ومما يدل على أنَّ الجنّ كانوا مؤمنين ببعثة الرسل السابقين أيضًا، قوله سبحانه: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠)} [الأحقاف: ٣٠].

وهذا كله مما يدلل على عبوديتهم لله سبحانه وتعالى. والحمد لله رب العالمين.

[ز-عبودية الكائنات]

إنَّ الله تبارك وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلى، ومن أسمائه الحسنى {الْغَنِيُّ} فهو غنيٌّ غنًى تامًّا عن جميع خلقه، وهم فقراء إليه سبحانه فقرًا تامًّا، قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥)} [فاطر].

«بيّن جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه غني عن خلقه، وأن خلقه مفتقرون إليه، أي: فهو يأمرهم وينهاهم لا لينتفع بطاعتهم، ولا ليدفع الضرّ بمعصيتهم، بل النفع في ذلك كله لهم، وهو جل وعلا الغني لذاته الغنى المطلق» (٢).

والكون كله خاضع لعبودية الله الواحد القهار لا ينفك أحدُ من خلقه عن عبوديته قهرًا وغلبة.

والكون بأسره خاشع خاضع لكبريائه وعظمته، إذ هو مشغولٌ بخضوعه وذله لربِّه، ولذا ترى الكون كله معظمًا له ساجدًا خاشعًا مسبحًا منزهًا لربه جل في علاه.

ومع ذلك كله ترى جحود الإنسان هذا المخلوق الضعيف، بل هو من أضعفُ المخلوقات وأفقرها إلى ربها، تراه معرضًا عمن لا غنى له عن فضله ورحمته طرفة


(١) شرح مختصر الروضة للصرصري (١/ ٢١٨، ٢١٩ (.
(٢) أضواء البيان (٦/ ٢٧٦).

<<  <   >  >>