للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله، فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشرِّ ليلةٍ بات بها قومٌ. فقال: «أتاني داعي الجنّ، فذهبتُ معه، فقرأتُ عليهم القرآن». قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد، فقال: «لكم كلُّ عظمٍ ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم؛ أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرةٍ علفٌ لدوابّكم».

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعامُ إخوانكم» (١).

قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير سورة الرحمن: «هذه السورة و «الأحقاف» و «قل أوحي» دليل على أن الجن مخاطَبون مكلَّفون مأمورون منهيون مثابون معاقبون كالإنس سواء، مؤمنهم كمؤمنهم، وكافرهم ككافرهم، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك» (٢).

قال ابن القيم -رحمه الله-: «وبالجملة: فهذا أمر معلوم باضطرار من دين الإسلام، وهو يستلزم تكليف الجن بشرائع، ووجوب اتباعهم لهم، فأما شريعتنا: فأجمع المسلمون على أن محمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- بُعث إلى الجن والإنس، وأنه يجب على الجن طاعته كما يجب على الإنس» (٣).

وقال -رحمه الله- أيضًا: «الصواب الذي عليه جمهور أهل الإسلام: أنهم مأمورون منهيون مكلفون بالشريعة الإسلامية، وأدلة القرآن والسنَّة على ذلك أكثر من أن تُحصر» (٤).

وقال نجم الدين الطوفي -رحمه الله-: «والدليل على تكليف الجن بالفروع: الإجماع على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُرسِلَ بالقرآن الكريم إلى الجن والإنس، فجميع أوامره ونواهيه متوجهة إلى الجنسين، وهي مشتملة على الأصول والفروع، نحو {آمِنُوا بِاللَّهِ}


(١) مسلم (٤٥٠).
(٢) تفسير القرطبي (١٧/ ١٦٩).
(٣) طريق الهجرتين (ص ٦١٦، ٦١٧).
(٤) طريق الهجرتين (ص: ٦١٩).

<<  <   >  >>