للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{قُرْآنًا عَجَبًا} أي: «بديعًا؛ مباينًا لسائر الكتب في حسن نظمه» (١).

وفي هذا كله دلالة على فصاحته وبلاغته وحسن مواعظه، وهذا مما لا شك كان له أبلغ الأثر في هداية الجن وسماعهم وإصغائهم لكلام ربهم جل في علاه.

«وهؤلاء الذين استمعوا القرآن وآمنوا هم المذكورون في سورة الأحقاف:

في قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١)} [الأحقاف: ٢٩ - ٣١].

هم: «من أهل نصيبين، فلما حضروا القرآن ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ، قال بعضهم لبعض: أنصتوا لنستمع القرآن، وجعلهم رسلًا إلى قومهم» (٢).

«ووفود الجن تلقوا العلم من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتلك كانت بداية معرفة الجنّ برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، استمعوا لقراءَة القرآن بدون علم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فآمن فريق منهم، وانطلقوا دعاة هداة.

ثمّ جاءَت وفود الجنّ بعد ذلك تتلقى العلم من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأعطاهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- من وقته، وعلمهم مما علمه الله، وقرأ عليهم القرآن، وبلغهم خبر السماء .... وكان ذلك في مكة قبل الهجرة.

روى مسلم في صحيحه عن عامر، قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن؟ قال: فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود، فقلتُ: هل شهد أحدٌ منكم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنّا كنّا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة، ففقدناهُ، فالتمسناهُ في الأودية والشعابِ، فقلنا: استطير أو اغتيل، قال فبتنا بشرِّ ليلةٍ بات بها قومٌ، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء، قال: فقلنا: يا رسول


(١) تفسير النسفي (٣/ ٥٤٨).
(٢) الطبري (٢٢/ ١٣٥ - ١٤٠).

<<  <   >  >>