للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[عبودية وتسبيح بعض الكائنات]

والنباتُ يُسبِّح الله ويوحده جلَّ في علاه، قال تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (٦)} [الرحمن].

فالنجم مَا لا سَاق له من النَّبَات، وَالشَّجر مَا كان له سَاق، وَكلهَا سَاجِدَة لله مسبحة بِحَمْدِهِ على وجه يليق بها، وهي خاضعة لأمره سبحانه وتعالى.

وكذلك كل ما في السماوات والأرض: كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} [الحج: ١٨].

يقول الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: ألم تر يا محمد بقلبك، فتعلم أن الله يسجد له من في السماوات من الملائكة، ومن في الأرض من الخلق من الجن وغيرهم، والشمس والقمر والنجوم في السماء، والجبال، والشجر، والدواب في الأرض، وسجود ذلك ظلاله حين تطلع عليه الشمس، وحين تزول، إذا تحول ظل كل شيء فهو سجوده» (١).

وكما قال تعالى: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩)} [ص: ١٨ - ١٩].

يقول الشنقيطي: «وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ تَسْبِيحَ الْجِبَالِ وَالطَّيْرِ مَعَ دَاوُدَ الْمَذْكُورَ تَسْبِيحٌ حَقِيقِيٌّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ -جَلَّ وَعَلَا- يَجْعَلُ لَهَا إِدْرَاكَاتٍ تُسَبِّحُ بِهَا، يَعْلَمُهَا هُوَ -جَلَّ وَعَلَا -وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُهَا.

وَالْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ نُصُوصَ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا عَنْ ظَاهِرِهَا الْمُتَبَادِرِ مِنْهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.

وَالتَّسْبِيحُ فِي اللُّغَةِ: الْإِبْعَادُ عَنِ السُّوءِ، وَفِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ: تَنْزِيهُ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ» (٢).


(١) الطبري (١٨/ ٥٨٦).
(٢) أضواء البيان (٤/ ٢٣٢)، بتصرف.

<<  <   >  >>