للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بلفظ العبد في هذا المقام العظيم يدل دلالة واضحة على أن مقام العبودية هو أشرف صفات المخلوقين وأعظمها وأجلها إذ لو كان هناك وصف أعظم منه لعبر به في هذا المقام العظيم الذي اخترق العبد فيه السبع الطباق ورأى من آيات ربه الكبرى» (١).

[ب-عبودية أولي العزم من الرسل -عليهم السلام- بأعيانهم]

قال الله تعالى لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف: ٣٥] (٢).

وقال الله في حق أول رسله لأهل الأرض وهو نوح -عليه السلام-: {فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩)} [القمر]، فشرفه بعبوديته له سبحانه.


(١) أضواء البيان (٣/ ٨).
(٢) أولو العزم أي: أصحاب القوة في الدين والثبات عليه، والعزم في تبليغ دين الله لعباده والصبر عل ذلك، ولا نعلم نصًّا صريحًا بتسميتهم بأولي العزم إلا ما دلل عليه بعض المفسرين حول الآيات التي ذُكِرُوا فيها، والله أعلم.
وقد ورد أثر عن أبي العالية الرياحي قال: {فَاصْبِرْ كَمَا … صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: ٣٥] نوح وهود وإبراهيم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يصبر كما صبر هؤلاء فكانوا ثلاثة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- رابعهم. أخرجه البيقي في سننه (١٧٧٣٣)، وشعب الإيمان له (٩٢٥٦)، والسيوطي في الدر المنثور (٧/ ٤٥٤). والأثر ضعيف فيه، أبو جعفر الرازي، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي، وهما ضعيفان.
والمشهور عند أهل التفسير أنهم خمسة وهم: الذين ذكرهم الله في سورة الأحزاب في قوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (٧)} [الأحزاب] وذكرهم أيضًا في الشورى في قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} [الشورى: ١٣] وبعض المفسرين يرى أن الرسل كلهم أولو عزم وأن (مِن) في قوله تعالى: {مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: ٣٥] بيانية وليست تبعيضية، ومنهم من يرى غير ذلك.

<<  <   >  >>