للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فـ) سورة الأنعام نزلت مبيّنَةً لقواعد العقائد وأصول الدين … فغيرها من السور المكية المتأخر عنها نزولا مبنيٌّ عليها، وسورة البقرة قررت قواعد التقوى المبنية على قواعد سورة الإنعام، فغير سورة (البقرة) من السور المدنية مبنيٌ عليها» (١).

[٢ - سورة الكهف]

(وأما سورة الكهف) فإنَّ الحمد فيها كان على كمال ذاته {الْحَمْدُ لِلَّهِ} وعلى نعمة الإبقاء الأول: أي: الإبقاء في الأرض بنعمة الهداية وذلك الإبقاء إنَّما يكون بالكتاب المنزل وبالنبيّ المرسل -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك استفتح السورة بهذين قائلًا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (٥)} [الكهف: ١ - ٥].

فنصَّ على إنزال الكتاب على عبده مقدمًا قوله: {عَلَى عَبْدِهِ} تشريفًا للرسول -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا- وتباينًا لمنزلته، وأنّه أنزل عليه الكتاب هداية للناس إلى الحق استبقاء لهم في الأرض دون إهلاك، ولم يجعل لكتابه عوجًا، فهو المستقيم الذي لا عيب فيه مما يجعل أسباب البقاء متينة، فهو الهادي إلى كلِّ حقٍّ وخير، وهو الكتاب القيم المهيمن على غيره والمقيم له ولكل من استمسك به. وغير خفِيّ أن نظام العالم وبقاء النوع الإنساني يكون بالنبيّ والكتاب» (٢). وقد نصّ عليهما في مفتتح السورة.

وقد كثر الحديث عن أسباب البقاء الأول في الحياة الدنيا، فذكر قصة أهل الكهف الذين كتب الله -سبحانه وتعالى- لهم البقاء والعصمة من الهلاك بالفتنة في دينهم كما انتظم بهم أمر من اطلع عليه من أهل زمانهم الذين كانوا على غير هُدى من الله


(١) ينظر: الموافقات للشاطبي (٣/ ٤٠٦ - ٤٠٧).
(٢) المرجع السابق (٤/ ٤٤٢).

<<  <   >  >>