للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما الهداية: هدايتان مستقلتان، ولا تتم سعادة البشرية إلا بتحقيق الهدايتين جميعًا:

أما الهداية الأولى: فهي هداية دلالة وإرشاد إلى الصراط المستقيم، ولا تكون هذه الهداية إلا بمعرفة الحق وطريق الرشاد، ولا يتم ذلك إلا بالعلم، ولا يتم العلم إلا بالوحي المتضمن لإرسال الرسل وإنزال الكتب.

أما الهداية الثانية: فهي هداية التوفيق والرشاد واتباع الحق والتمسك والاعتصام به، وتلك الهداية لا يملكها إلا الله، لا يملكها ملك مقرب ولا نبي مرسل.

فبالهداية الأولى: وهي هداية الدلالة والإرشاد يُعرف الحقُ من الباطل، والتوحيدُ من الشرك، والسنةُ من البدعة، والخيرُ من الشر، والهدى من الضلالة والعمى والغواية.

وبالهداية الثانية: وهي هداية التوفيق والإلهام والرشاد يُتبع الدينُ الحق الذي أُرسلت به الرسلُ وأُنزلت به الكتبُ ويُتمسك به، ويُنبذ ويُجحد ويُترك كلُ دين سواه.

ومما ينبغي أن يُعلم أن الهدايتين متلازمتين لا تنفك واحدة عن الأخرى، ولضرورة حاجةِ العبدِ للهدايتين أُمِرَ العبدُ أن يقف بين يدي ربه في صلاته ضارعًا خاشعًا متذللًا مستكينًا سائلًا لأعظم مطلوب وأجل مرغوب، ألا وهو هداية علام الغيوب فيدعوه قائلًا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)}، وهو في ذلك يسأل ربه سؤال اضطرار إلى هدايته التي لا غنى له عنها طرفة عين أو أقل من ذلك أبدًا، ويسأل ربه سؤال مذلة، ويسأله سؤال حاجة وفاقة، ويسأله الهدايتين جميعًا، ويسأله سلوك الصراط والسير والثبات عليه حتى الممات.

ولا شك أن مطلب الهداية أعز مطلب فهو مبنى على رحمة الله وتوفيقه وفضله وإحسانه.

ومن رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمته فإنه يصف لهم حال السائرين على الصراط، تحذيرًا لهم، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: «وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فتقومانِ جَنَبتَي الصِّراطِ يمينًا وشمالًا، فيمرُّ

<<  <   >  >>