للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والانجراف والانعطاف، وهم الأكثرون، وكثير من القائلين بالمنع إنما منعوا التعسف والتكلف في كل موضوع، والقائلون بالمنع مطلقًا قلّة قليلة جدًّا، ولله الحمد.

والأخذ بعلم المناسبة كلما ظهرت أماراتها لمن كان أهلًا لذلك وتوافرت فيه شروط الأهلية هو القول الوسط العدل، ذلك أن علم المناسبات علم له ضوابطه وأصوله وقواعده، فليس لكل أحد أن يخوض فيه بغير علم ولا ضوابط فلابد أن يكون عالمًا بالتفسير وعلومه، مُطلعًا على علم أسباب النزول، وملمًا بأقوال أهل التأويل، عالمًا بالقراءة المتواترة وتوجيهها، وعالمًا كذلك بعلوم لغة التنزيل نحوها وتصريف أفعالها، عالمًا ببلاغتها -بيانًا وبديعًا ومعانيَ-، ولديه دراية بدلالة الألفاظ اللغوية والبيانية، ولديه عناية ودراية بعلوم الآلة كلها، وأن يكون معتدلًا في الفهم والإدراك لئلا يتعسف ويتكلف في إيجاد المناسبات بلا مناسبات، وذلك ليكون أهلًا للنظر في كلام رب البشر.

ولعل في هذا الإيجاز المختصر ما يغني بالإشارة عن العبارة لأهل البحث والنظر.

مناسبة افتتاح القرآن الكريم بسورة الفاتحة.

لفاتحة الكتاب مكانتها المميزة في القرآن الكريم، فلذا افتتح الله بها كتابه، فهي (أمّ القرآن) وهي (أمّ الكتاب) وهي (السبع المثاني)، ولها غير ذلك من الأسماء التي سُمِّيت بها، التي تدلل على بيان قدرها ومكانتها بين سور القرآن الكريم، ولقد حوت آياتها السبع مقاصد القرآن الكريم وكلياته، فلمكانتها وقدرها وما اشتملت عليه ناسب افتتاح القرآن الكريم بها.

«وافتتح الله سبحانه كتابه بهذه السورة؛ لأنَّها جمَعتْ مقاصد القرآن، ولأنَّ فيها إجمالَ ما يحويه القرآن مفصلًا؛ فجميع القرآن تفصيل لِمَا أجملتْه، وفي ذلك براعة استهلال؛ لأنَّها تنزل من سور القرآن منزلَ دِيباجة الخطبة أو الكتاب» (١).


(١) وينظر: تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي (ص: ٥١: ٤٩)، البرهان في تناسب سور القرآن لابن الزبير الغرناطي (ص: ١٨٧) تفسير ابن عاشور (ص: ١/ ١٣٥).

<<  <   >  >>