وعليهما فلك العبادة دائر … ما دار حتى قامت القطبان (١)
وأخيرًا: فإن العبودية الحقة لا تتحقق إلا بتحقيق أصلين عظيمين:
الأصل الأول: إفراده الله تعالى بالعبادة ونبذ عبادة كل ما سواه، وهذا هو مقتضى شهادة ألا إله إلا الله.
الأصل الثاني: ألا يُعبد اللهُ إلا بما شرع، وهذا هو مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله.
فمن حقق هذين الأصلين العظيمين بكمالهما وتمامهما، فقد حقق العبودية الحقة التي ينال به العبدُ سعادةَ الدارين.
رابعًا: تقرير عبودية لله تعالى في السورة الكريمة:
إن المتأمل في السورة الكريمة يتجلى له محور السورة الرئيس ألا وهو قضية التوحيد وتقرير العبودية التي خلق الله من أجلها الجن والإنس، فلم يخلقهم عبثًا ولم يتركهم سدى، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥)} [المؤمنون].
وفي قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} يتجلى بوضوح تقرير العبودية في السورة الكريمة، ومن هنا يتبين أن بيان تقرير العبودية لله هو المحور الرئيس في السورة الكريمة.
وفي نحو ذلك يقرر الفخر الرازي -رحمه الله- فيقول: «والمقصود من كل القرآن تقرير أمور أربعة: الإلهيات، والمعاد، والنبوات، وإثبات القضاء والقدر لله تعالى، فقوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣)} يدل على الإلهيات، وقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)} يدل على المعاد، وقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} يدل على نفي الجبر والقدر، وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله وقدره، وقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
(١) الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (ص: ٣٢).