للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإنس إلا لعبادتي، والأشقياء منهم لمعصيتي.

أي: خلقهم لأجل أن يعبدونه سبحانه فمن عبده أكرمه، ومن ترك عبادته أهانه» (١).

وحَصَرَ سبحانه وتعالى الحِكمة من خلقهم في قوله: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ليتبين ويتأكد لهم أن الحِكمة من خلقهم هي: عبادته سبحانه وتعالى، وخلق كل شيء لرعايتهم ورعاية مصالحهم ومصالح معاشهم، وسَخَّر لهم كل ما في السموات والأرض ليستعينوا بها على عبادته وطاعته سبحانه وتعالى.

ومعنى {لِيَعْبُدُونِ}؛ أي: يوحدونني، فيفردونني بالعبادة، ولا يعبدوا سواي، والعبادة لا تُسمَّى عبادة إلا مع التوحيد ولا تصح ولا تقبل إلا به، فهو قوامها وأسها وأساسها المتين الذي لا قوام لها ولا ووجود إلا به، فهو كالطهارة للصلاة لا تصح ولا تقبل إلا بها فهي شرط صحة، كما أن التوحيد شرط صحة في صحة العبادة وقبولها.

وتحقيق العبودية لرب البرية هي المهمة العظيمة التي من أجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وقام سوق الآخرة ففريق في الجنة، وفريق في السعير، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ … إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} [الأنبياء]، وقال لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)} [الحجر]، واليقين هنا هو: الموت.

وقال ابن القيم -رحمه الله-: «والمحبة مع الخضوع هي العبودية التي خلق الخلق لأجلها، فإنها غاية الحب بغاية الذل، ولا يصلح ذلك إلا له سبحانه، والإشراك به في هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله ولا يقبل لصاحبه عملًا» (٢).


(١) تفسير الطبري (٢٢/ ٤٤٥).
(٢) الفوائد (ص: ١٨٣).

<<  <   >  >>