للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثالث:

مناسبة آيات سورة الفاتحة مع بعضها البعض

أولًا: المناسبة في مطلع السورة.

«لمَّا أثبت بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} أنه المستحق لجميع المحامد لا لشيء غير ذاته الحائز لجميع الكمالات أشار (١) إلى أنه يستحقه أيضًا من حيث كونه ربًّا مالكًا منعمًا فقال: {رَبِّ}، وأشار بقوله: {الْعَالَمِينَ (٢)} إلى ابتداء الخلق تنبيهًا على الاستدلالات بالمصنوع على الصانع (٢) وبالبداءة على الإعادة كما ابتدأ التوراة بذلك» (٣).

فلما كان حمده تبارك وتعالى مستغرقًا جميع النعم ناسب أن يأتي بعد حمده وصفه بالربوبية العامة التي عمّ بها جميع خلقه بنعمه الظاهرة والباطنة، مبينًا سبحانه استحقاقه جل في علاه وصف {رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)}.

ومما يؤيد ما ذكره الباحث آنفًا قول الطاهر بن عاشور:

«وهو وصف لاسم الجلالة (٤)، فإنه بعد أن أسند الحمد إلى اسم ذاته -تعالى-


(١) وعبارة: (أشار) تدخل في باب الأفعال، وباب الأفعال أوسع من باب الأسماء.
(٢) و (الصانع) ليس من أسماء الله تعالى ولا من صفاته، وإنما هذا من باب الإخبار، وهذا الباب أوسع من باب الأسماء والصفات وهذا قول عموم أهل العلم، فأسماء الله تعالى وصفاته الحسنى توقيفية، فلا يُسمَّ الربُ تعالى ولا يُوصفُ إلا بما ثبت لذاته العلية من الأسماء والصفات في الكتاب العزيز والسنة الصحيحة.
(٣) نظم الدرر للبقاعي (١/ ١٧).
(٤) وقول ابن عاشور: «وهو وصف لاسم الجلالة»، يعني بذلك: وصف الرب جل في علاه أنه: (رب العالمين).

<<  <   >  >>