للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني:

مناسبة سورة الفاتحة مع تاليتها

أوجه المناسبة بين السورتين.

أولًا: المناسبة بينهما في مطلع السورتين.

١ - لما قال سبحانه في مطلع سورة الفاتحة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)} وهو وصفٌ لله تعالى بأنه مالك ليوم الجزاء، وهو الذي يملك الحكم والفصل والقضاء بين عباده في هذا اليوم، لا ينازعه فيه أحد من خلقه لأن مُلكَ ملوكِ الدنيا وأملاكهم كله قد زال ولم يبق إلا مُلك {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، وفي هذا تقرير للميعاد والجزاء والحساب.

فناسب أن يقول في مطلع سورة البقرة: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)}، وكأنه وصفٌ لاستجابتهم له سبحانه أنهم بالآخرة مؤمنون وموقنون ومصدقون، وفي هذا إقرار للميعاد والجزاء والحساب، فلما كان في الفاتحة تقرير، ناسب أن يكون في البقرة إقرار.

«وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه، لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين، وذلك عام في الدنيا والآخرة، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئًا، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه، كما قال: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (٣٨)} [النبأ]، وكما قال تعالى: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (١٠٨)} [طه]، وقال: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥)} [هود]» (١).

وكلمة: {مَالِكِ} فيها قراءتان متواترتان.


(١) تفسير ابن كثير (١/ ١٣٤).

<<  <   >  >>