للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك أيضًا ذكر المغضوب عليهم والضالين بعدهم، فجاء ذكر المنعم عليهم مقابل ذكر المغضوب عليهم والضالين، فدل ذلك على أن هؤلاء غير هؤلاء وهؤلاء، وأن صراط هؤلاء غير صراط هؤلاء وهؤلاء، وقد أمر الله عباده أن يدعوه ويسألوه الهداية لصراط المهتدين الذين أنعم الله عليهم بالهداية، ليكون مهتدين مثلهم.

٤ - الثبات على الدين.

فما مدح الله سبيلهم إلا لثباتهم على الصراط، إذ لو أنهم تنكبوه، لما مدح الله سبيلهم، ولما أمر الله عباده أن يسلكوه ويتبعوا طريقهم.

قال البغوي: «وقوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} أَيْ: مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ، قَالَ عِكْرِمَةُ: مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ -عليهم السلام-، وَقِيلَ: هُمْ كُلُّ مَنْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} [النِّسَاءِ: ٦٩]» (١). وقال تعالى مخاطبًا نبيهَ محمدًا -صلى الله عليه وسلم-: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢)} [هود].

يقول الطبري -رحمه الله-: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- فاستقم أنت، يا محمد، على أمر ربك، والدين الذي ابتعثك به، والدعاء إليه، كما أمرك ربك، ومن رجع معك إلى طاعة الله والعمل بما أمره به ربه من بعد كفره، ولا تعدوا أمره إلى ما نهاكم عنه، إن ربكم بما تعملون من الأعمال كلِّها -طاعتها ومعصيتها- ذو علم بها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو لجميعها مبصرٌ، فاتقوا الله، أيها الناس، أن يطَّلع عليكم

ربكم وأنتم عاملون بخلاف أمره، فإنه ذو علم بما تعلمون، وهو لكم بالمرصاد» (٢).

ويقول ابن كثير -رحمه الله-: «يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على


(١) معالم التنزيل للبغوي (١/ ٢٣).
(٢) تفسير الطبري (١٥/ ٤٩٩).

<<  <   >  >>