للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك يتبين أنه سبحانه وتعالى {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)} فإذا تحقق ملكه سبحانه ليوم الدين وهو اليوم الأعظم الذي يجمع الله فيه الأوليين والآخرين ليجازيهم بأعمالهم، فلا شك في ثبوت ملكه لما هو دونه من ملك الدنيا وما فيها وما عليها، ومن كمال ملكه لهما وتمامه أنه مدبر الأمر وله التصرف الكامل فيهما لا ينازعه فيهما أحد من خلقه، وبقوله سبحانه: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)} يتضح أن كل مُلكٍ في الدنيا ينسب لأحد من خلقه إنما هو ملك زائل لا محالة، قال ربنا: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (١٦)} [غافر].

«و {يَوْمِ الدِّينِ (٤)} في الظاهر هو يوم ظهور انفراد الحق بإمضاء المجازاة حيث تسقط دعوى المدعين، وهو من أول يوم الحشر إلى الخلود فالأبد» (١).

«فهو تعالى بمقتضى ذلك كله ملِك يوم الدين ومالكه مطلقًا في الدنيا والآخرة، وإلى الملك أنهى الحق تعالى تنزل أمره العلي لأن به رجع الأمر عودًا على بدء بالجزاء العائد على آثار ما جبلوا عليه من الأوصاف تظهر عليهم من الأفعال كما قال تعالى: {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} [الأنعام: ١٣٩] و {جَزَاءً بِمَا كَانُوا … يَعْمَلُونَ (١٧)} [السجدة: ١٧]، و [الأحقاف: ١٤]، و [الواقعة: ٢٤] وبه تم انتهاء الشرف العلي وهو المجد الذي عبر عنه قوله تعالى: «مجدني عبدي» (٢)» (٣).

«ولما لم يكن فرق هنا في الدلالة على الملك بين قراءة «مَلِك» وقراءة «مالك» جاءت الرواية بهما، وذلك لأن المالك إذا أضيف إلى اليوم أفاد اختصاصه بجميع ما فيه من جوهرة وعرض، فلا يكون لأحد معه أمر ولا معنى للمَلِك سوى هذا» (٤).

رابعًا: مناسبة قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} بالآية السابقة وهي قوله: {مَالِكِ


(١) المرجع السابق (١/ ٣٠).
(٢) أخرجه مسلم (٣٩٥).
(٣) نظم الدرر للبقاعي (١/ ٣١).
(٤) المرجع السابق (١/ ٣٢).

<<  <   >  >>