للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: ٧٤].

«ومذهب أهل السنة والجماعة أن لله تعالى علمًا في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقل، لا يقف عليه غيره، فلها صلاة وتسبيح وخشية، قال جلَّ ذكره: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤] وقال: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: ٤١] وقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [الحج: ١٨] الآية، فيجب على المؤمن الإيمان به ويكل علمه إلى الله سبحانه وتعالى» (١).

تصدع الجبال إجلالًا لكلام الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: ٢١].

يقول شيخ المفسرين الإمام الطبري -رحمه الله-: «يقول -جل ثناؤه-: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} -وهو حجر- لرأيته يا محمد خاشعًا يقول: متذللًا متصدعًا من خشية الله على قساوته، حذرًا من ألا يؤدي حق الله المفترض عليه في تعظيم القرآن، وقد أنزل على ابن آدم وهو بحقه مستخف، وعنه عما فيه من العبر والذكر معرض، كأن لم يسمعها، كأن في أذنيه وقرًا».

ثم يقول -رحمه الله-: أي: «لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إياه تصدع وخشع من ثقله، ومن خشية الله، فأمر الله -عز وجل- الناس إذا أنزل عليهم القرآن، أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع.

يعذر الله الجبل الأصم، ولم يعذر شقي ابن آدم، هل رأيتم أحدًا قط تصدعت جوانحه من خشية الله» (٢).

«فإن هذا القرآن لو أنزله على جبل لرأيته خاشعًا متصدعا من خشية الله أي: لكمال تأثيره في القلوب، فإن مواعظ القرآن أعظم المواعظ على الإطلاق» (٣).


(١) تفسير البغوي (١/ ١١٢).
(٢) الطبري (٢٣٣/ ٣٠١).
(٣) تفسير ابن سعدي (١/ ٨٥٤).

<<  <   >  >>