للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«تبلغ الغاية في أنحاء التذلل، وأعقبه بقوله مكررًا للضمير حثًّا على المبالغة في طلب العون {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} إشارة إلى أن عبادته لا تتهيأ إلا بمعونته وإلى أن ملاك الهداية بيده: فانظر كيف ابتدأ سبحانه بالذات، ثم دل عليه بالأفعال، ثم رقي إلى الصفات، ثم رجع إلى الذات إيماء إلى أنه الأول والآخر المحيط، فلما حصل الوصول إلى شعبة من علم الفعال والصفات علم الاستحقاق للإفراد بالعبادة فعلم العجز عن الوفاء بالحق فطلب الإعانة» (١).

ولا شك في أن كلام البقاعي آنفًا كلامٌ بديعٌ يتبين من ثناياه عظم مكانة مناسبات الآية مع تاليتها وسابقتها، وجمال الترابط النصي في كتاب الله وما يظهر ويتجلى من معاني عظيمة تزيد المعنى وضوحًا وتجلى عيانًا عظم كلام الله تبارك وتعالى لأولي الألباب.

قال الحرالي: «وهذه الآيات أي: هذه وما بعدها مما جاء كلام الله فيه جاريًا على لسان خلقه فإن القرآن كله كلام الله لكن منه ما هو كلام الله عن نفسه ومنه ما هو كلام الله عما كان يجب أن ينطق على اختلاف. . . ألسنتهم وأحوالهم وترقي درجاتهم ورتب تفاضلهم مما لا يمكنهم البلوغ إلى كنهه لقصورهم وعجزهم فتولى الله الوكيل على كل شيء الإنباء عنهم بما كان يجب عليهم مما لا يبلغ إليه وُسع خلقه وجعل تلاوتهم لما أنبأ به على ألسنتهم نازلًا لهم منزلة أن لو كان ذلك النطق ظاهرًا منهم لطفًا بهم وإتمامًا للنعمة عليهم، لأنه تعالى لو وكلهم في ذلك إلى أنفسهم لم يأتوا بشيء تصلح به أحوالهم في دينهم ودنياهم، ولذلك لا يستطيعون شكر هذه


=طلوع الشمس من مغربها، وصنف في المنطق، وفي شرح الأسماء الحسنى، فمن شاء فلينظر: في تآليفه فإن فيها العظائم. سير أعلام النبلاء (٢٣/ ٤٧). ينظر: التكملة (٢/ ٦٨٧) سبك المقال لفك العقال (ص: ٢٩) خ. م. م. رقم (١٠٥)، و عنوان الدراية (ص: ١٤٤ وما بعدها) وجمهرة أنساب العرب لابن حزم (ص: ٤٠٤).
(١) نظم الدرر للبقاعي (١/ ٣١ - ٣٣).

<<  <   >  >>