للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منهم أحد من الملائكة والثقلين {إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} إلا وهو مملوك له، وهو مملوك له، يأوي إليه بالعبودية والانقياد» (١).

وفي صدد ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «المخلوقون كلُّهم عبادُ الله: الأبرار منهم والفجَّار، والمؤمنون والكفَّار، وأهل الجنَّة وأهل النار؛ إذ هو ربُّهم كلهم ومليكُهم، لا يخرجون عن مشيئتِه وقدرته … فهو سبحانه ربُّ العالمين وخالقُهم ورازقُهم، ومُحييهم ومميتُهم … سواء اعترَفوا بذلك أو أنْكروه، وسواء علِموا ذلك أو جهلوه.

لكنَّ أهلَ الإيمان منهم عرَفوا ذلك وآمَنوا به؛ بخلافِ مَن كان جاهلًا بذلك؛ أو جاحدًا له مستكبرًا على ربِّه … » (٢).

وفي صدد بيان هذه العبودية أيضًا يقول سبحانه: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)} [آل عمران].

ويقول سبحانه: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (١١٦)} [البقرة].

قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في تفسير قول الله تعالى: «وأولى معاني القنوت في قوله: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} الطاعة والإقرار لله -عز وجل- بالعبودية بشهادة أجسامهم بما فيها من آثار الصنعة، والدلالة على وحدانية الله -عز وجل-، وأن الله تعالى ذكره بارئها وخالقها، وذلك أن الله جل ثناؤه أكذب الذين زعموا أن لله ولدًا بقوله: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: ١١٦] ملكًا وخلقًا، ثم أخبر عن جميع ما في السماوات والأرض أنها مقرة بدلالتها على ربها وخالقها، وأن الله تعالى بارئها وصانعها، وإن


(١) تفسير أبي السعود: تفسير قوله تعالى {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)} [مريم]، (٥/ ٢٨٣).
(٢) العبودية لابن تيمية: ينظر (ص: ٥٠ - ٥١)، و ينظر: أيضًا (ص: ١٠٤).

<<  <   >  >>