للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأعظم ليوم الدين -يوم الجزاء والحساب-، ثم تقرير العبودية-عبادة واستعانة-وحصرها وقصرها على مستحقها وحده دون ما سواه وهو الله جل في علاه، ثم بيان افتقار آخر ألا وهو طلب الهداية للصراط، هداية دلالة وإرشاد، وهداية توفيق وإلهام ورشاد، ثم طلب مرافقة وصحبة المنعم عليهم ممن امتن الله عليهم بكمال الهداية للصراط، وتجنب طريق كل من تنكب الصراط ممن عرف الحق ولم يتبعه ولم يعمل به كاليهود ومن شابههم، وممن عبد الله على جهالة وضلالة كالنصارى ومن شابههم، وهذا كله إقرار لله تعالى بالألوهية.

وتحقيق التوحيد ولزوم العبودية هي المهمة التي من أجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦]، «أي: بأن اعبدوا الله ووحدوه {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، أي: اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم، وكل من دعا إلى الضلال» (١).

وتحقيق التوحيد ولزوم العبودية هي الغاية العظمى من خلق الخلق، قال ربنا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)} [الذاريات: ٥٦ - ٥٨]، أي: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليذعنوا لي بالعبودة، ومع ذلك فهو سبحانه في غنى تام عنهم، {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ}، أي: ما أريد ممن خلقت من الجن والإنس من رزق يرزقونه خلقي، {وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) أي: وما أريد منهم من قوت أن يقوتوهم، ومن طعام أن يطعموهم» (٢).

يقول ابن سعدي -رحمه الله- في تفسيره: «فهذه السورة على ايجازها قد تضمنت ما لم تحتوِ عليه سورة من سور القرآن، فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية يؤخذ من قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) وتوحيد الإلهية: وهو إفراد الله بالعبادة يؤخذ


(١) تفسير القرطبي (١٠/ ٩٤).
(٢) تفسير الطبري (١٢/ ٤٤٥).

<<  <   >  >>