للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما تتحقق الرغبة والطمع في فعل تلك الخصال الحميدة وغيرها من الطاعات إذا تحقق الإيمان باليوم الآخر، ليصبح هو الدافع والمحرك على الإقبال على تلك الطاعات، كما يكون الدافع أيضًا على عدم اقتراف الذنوب والسيئات الخوف والرهبة من فعل المحرمات والموبقات، هو الوعيد المترتب على من فعلها من عذاب ونكال وجحيم في الدار الآخرة، قال ربنا في سورة السجدة: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦)} [السجدة].

فيورث ذلك كله صلاح قلوب العباد وصلاح أحوالهم والفوز بسعادة الدارين، ولما في الغفلة ونسيان ذلك اليوم العظيم ونسيان ثوابه وعقابه والغفلة عما أعده الله من كرامات للطائعين، وما أعده من عقوبات جزاءً للعصاة وسائر المتمردين عن طاعة رب العالمين.

فالعاقل الناصح لنفسه الحريص على فكاك رقبته من النار لا يغفل عن هذا المشهد والموقف العظيم بين يدي جبار السماوات والأرض، فإنه من أشد ما يمنعه من المعاصي ويجافي بينه وبينها، ويباعد بينه وبينها كما يباعد بين المشرق والمغرب،

فمن أعظم ما يمنعه من ذلك كله خوفه من ربه -عز وجل-، وخوفه من وقوفه بين يديه، وتيقنه بوقوع ذلك اليوم وأنه كائن لا محال {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ} [المعارج: ٤].

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -رضي الله عنه-: «هذا يوم القيامة، جعله الله تعالى على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة» (١).

ويجلي هذا الأمر الإمام ابن القيم -رحمه الله- فيقول: «فإن قلت: كيف يجتمع التصديق الجازم الذي لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل؟ وهل في الطباع البشرية أن يعلم العبد أنه مطلوب غدًا إلى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبة، أو يكرمه أتم كرامة، ويبيت ساهيًا غافلًا! ولا يتذكر موقفه بين يدي الملك، ولا يستعد له، ولايأخذ له أهبته؟!» (٢).


(١) تفسير الطبري (٢٣/ ٦٠٢).
(٢) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو الداء والدواء (ص: ٩١).

<<  <   >  >>