للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)} [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥] والروح الأمين هو جبريل -عليه السلام-.

وهو كذلك من أقرب المقربين من رب العزة جل في علاه: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١)} [التكوير: ١٩ - ٢١].

وهو مع وصفه بالأمين فهو القوي كذلك، كما وصفه الله بقوله سبحانه: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦)} [النجم: ٥ - ٦] ولقد رأى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- جبريلَ على صورته الحقيقية التي خلقه الله تعالى عليها مرتين، أما الرؤية الأولى: فقد وقعت في الأرض في بداية نزول الوحي، وتتابع الوحي بعدها فنزلت بعدها سورة المدثر.

ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهم- ا قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ -أي: انقطاع- الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: «فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي، فَدَثَّرُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ -إلى- وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: ١ - ٥]» (١).

وهذه الرؤية هي التي ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣)} [التكوير].

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: «يعني: ولقد رأى محمدٌ جبريلَ الذي يأتيه بالرسالة عن الله -عز وجل- على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح، {بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} أي: البين، وهي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء (موضع بمكة)، وهي المذكورة في قوله: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠)} [النجم: ٥ - ١٠]، كما تقدم تفسيرُ ذلك وتقريره، والدليلُ أن المرادَ بذلك جبريل -عليه السلام-. والظاهر-والله أعلم- أن هذه السورة -يعني: سورة التكوير- نزلت قبل ليلة الإسراء؛ لأنه لم يذكر فيها إلا هذه الرؤية،


(١) البخاري (٤)، ومسلم (١٦١).

<<  <   >  >>