للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول -رحمه الله-: «ومعلوم أن سجود كل شيء بحسبه، ليس سجود هذه المخلوقات وضع جباهها على الأرض» (١).

والسجود من أعظم مشاهد كمال خضوع وذل هذه المخلوقات وانقيادها لخالقها وبارئها سبحانه وذلها لربوبيته وعظيم سلطانه.

ويوضح البقاعي معنى السجود أيضًا فيقول -رحمه الله-: «يسجد له أي: يخضع منقادًا لأمره مسخرًا لما يريد منه تسخير من هو في غاية الاجتهاد في العبادة والإخلاص فيها» (٢).

والحقيقة الثابتة كما قرر أئمة التفسير كابن جرير الطبري وابن كثير وغيرهما من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم: أن الكائنات تسجد سجودًا حقيقيًّا علمها ربها إياه وهو يعلمه منها على وجه يليق بها ويناسبها، والبقاعي أول السجود هنا إلى الخضوع نافيًا سجودها مؤولًا له ببعض معانيه وهو الخضوع، والبقاعي مع جلالة قدره له تأويلات لصفات الرب جل في علاه نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر نفيه للحرف والصوت في كلام الرب جل في علاه وقد أجمع السلف على أن الله تعالى تكلم بحرف وصوت.

فقال في نظم الدرر: «والذي سمعه موسى -عليه السلام- عند أهل السنة من الأشاعرة هو الصفة الأزلية من غير صوت ولا حرف، ولا بعد في ذلك كما لا بعد في رؤية ذاته سبحانه وهي ليست بجسم ولا عرض لا جوهر، و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]» (٣).


(١) المرجع السابق (٢١/ ٢٨٤).
(٢) نظم الدرر للبقاعي (١٣: ٢٦).
(٣) نظم الدرر للبقاعي (٨/ ٧٧). وكثير من المتكلمين يعدون أهل السنة هم: الأشاعرة والماتريدية، ولذا يقول البقاعي: (والذي سمعه موسى -عليه السلام- عند أهل السنة من الأشاعرة). وأهل السنة يقولون: إن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، ويعتقدون أن القرآن كلام الله، وأن الله تعالى تكلم به بحرف وصوت وسمعه جبريل، وأما الأشاعرة فقولهم في القرآن: إن ما بين الدفتين مخلوق؛ لأنه عندهم عبارة عن كلام الله تعالى؛ لأن الله لا يتكلم بحرف ولا صوت، فينفوا الحرف والصوت، وقد خالفوا أهل السنة في أمور شتى مبسوطة في مظانها فلتراجع.

<<  <   >  >>