للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحن، {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ} أي: إن استمر رزقه رغدًا، ولم يحصل له من المكاره شيء، اطمأن بذلك الخير، لا بإيمانه».

فهذا، ربما أن الله يعافيه، ولا يقيض له من الفتن ما ينصرف به عن دينه، {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} من حصول مكروه، أو زوال محبوب انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ أي: ارتد عن دينه، {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} أما في الدنيا، فإنه لا يحصل له بالردة ما أمله الذي جعل الردة رأسًا لماله، وعوضًا عما يظن إدراكه، فخاب سعيه، ولم يحصل له إلا ما قسم له، وأما الآخرة، فظاهر، حُرِمَ الجنة التي عرضها السماوات والأرض، واستحق النار، {ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١١)} [الحج] أي: الواضح البين» (١).

وللإمام ابن القيم في مدارج السالكين تقسيمٌ بديعٌ للناس في العبادة والاستعانة، نتعرض له بشيء من الإشارة والإيجاز والتصرف اليسير، حيث يبين -رحمه الله-:

أن الناس في هذين الأصلين وهما العبادة والاستعانة أربعة أقسام -أيضًا-:

القسم الأول: خلق لهم عبادة واستعانة:

وسيأتي بيانه بإذن الله لأن موضوع البحث العبادة والاستعانة.

القسم الثاني: خلق لا عبادة لهم ولا استعانة:

وهم المعرضون عن عبادته والاستعانة به، فلا عبادة لهم ولا استعانة، بل إن سأله أحدهم واستعان به فعلى حظوظه وشهواته، لا على مرضاة ربه وحقوقه.

القسم الثالث: خلق لهم عبادة بلا استعانة، وهؤلاء نوعان:

أحدهما: القدرية القائلون بأنه قد فُعِلَ بالعبد جميع مقدوره من الألطاف، وأنه لم يبق في مقدوره إعانة له على الفعل.

وثانيهما: من لهم عبادات وأوراد، ولكن حظهم ناقص من التوكل والاستعانة، لم تتسع قلوبهم لارتباط الأسباب بالقدر.


(١) تفسير ابن سعدي (٥/ ١٠٩٣).

<<  <   >  >>