للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)} [البينة]، ولينالوا العتق من النيران ويفوزوا بسكنى الجنان، كما قال ربنا الرحمن: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: ١٨٥].

وفي نحو ذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: «يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَنْ هَدَيْته، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ» (١).

ولهذا الحديث منزلة عظيمة:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «هذا الحديث شريف القدر، عظيم المنزلة؛ ولهذا كان الإمام أحمد يقول: هو أشرف حديث لأهل الشام، وكان أبو إدريس الخولاني إذا حدَّث به جثا على ركبتيه» (٢).

قال الفشني -رحمه الله-: «هو حديث عظيم ربانيّ، مشتمل على فوائد عظيمة في أصول الدين وفروعه، وآدابه، ولطائف القلوب» (٣) والـ «ضال» هو التائه عن السبيل السوي والطريق المستقيم، والضلالة تكون في العلم، وتكون في العمل، وتكون فيهما معًا «إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ» أي: للعلم النافع والعمل الصالح، ومنعت عنه أسباب الضلالة والغواية كلها، (فاستهدوني)؛ أي: اطلبوا مني لا من غيري، وألحوا عليَّ في طلب الهداية، (أهدِكم) أي: أدلكم على سبل السلام وطرق الرشاد والنجاة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

و (أهدِكم) هو جواب الأمر السابق، وهو مشابه لقوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠]، فقوله: {ادْعُونِي} الأمر، وجوابه قوله: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.

يقول ابن رجب -رحمه الله- في تعليقه على حديث أبي ذر -رضي الله عنه-: «وهذا يقتضي أن جميع الخلق مفتقرون إلى الله -تعالى- في جلب مصالحهم، ودفع مضارهم في أمور دينهم ودنياهم، وأن العباد لا يملكون لأنفسهم شيئًا من ذلك كله، وأن من لم يتفضل الله عليه


(١) مُسْلِمٌ (٢٥٧٧)، من حديث أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-.
(٢) مجموع الفتاوى (١٨/ ١٥٦).
(٣) المجالس السنية (١٥٢)، والأذكار للنووي (٥١٧).

<<  <   >  >>