للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كريمة أوصى الله تعالى بها نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ومن تلك الوصايا أن يعبد ربه حتى يأتيه اليقين.

«واليقين هو الموت: وهو مروي عن جمع من السلف منهم: سالم بن عبد الله بن عمر، ومجاهد، والحسن، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم» (١).

وفيها الأمر بالإقامة على العِبادة إلى الممات

وقال الحسن البصري -رحمه الله-: «يا قوم، المداومةَ المداومةَ، فإن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلًا دون الموت» (٢).

فلم يجعل الله في الآية الكريمة منتهى للعبودية دون الموت، لم يجعل لها حدًّا محدودًا ولا زمنًا موقوتًا، ولم يحدها كذلك بمكان ولا بكم محدود من العمل، والواجب في حق العبد القيام بحق العبودية ما دام حيًّا، قال الله في حق عيسى بن مريم: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١)} [مريم]. أي: مدة دوامي حيًّا.

فليس للعبد حد في العبادة إذا وصل إليها توقف عنها واكتفى بها، وإنما جعلت العبادة والتكليف بها واجبة عليه حتى الموت، إذ ليس لعمل المؤمن منتهى دون الموت.

ولقد امتثل النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر ربه وعبده حتى أتاه اليقين، وداوم على عبوديته في كل أحواله وكان إذا عمل عملًا أثبته ودوام عليه، كما وصفت عائشة -رضي الله عنها- عمله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: «كان عمله ديمة» (٣).

والديمة في كلام العرب تطلق على المطر إذا استمر نزوله فترة طويلة» (٤).

ووفي رواية عند مسلم -أيضًا- من حديث عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَصِيرٌ، وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ،


(١) تفسير أضواء البيان للشنقيطي (٢/ ٣٢٤).
(٢) المحجة في سير الدلجة (ص ٧١).
(٣) البخاري (١٩٨٧)، ومسلم (٧٨٣).
(٤) فتح الباري (١١/ ٣٠٥).

<<  <   >  >>