للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحصنة والجدار الفاصل العازل، وقد بنوا الحصون المنيعة (١) كحصون أجدادهم في خيبر، مثل حصن جدهم كعب بن الأشرف زعيم يهود بني النضير بالمدينة، والذي كان يحرض على قتال النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وينشد في ذلك أشعاره، ويندب من قُتِلَ من المشركين يوم بدر، فلما عاد إلى المدينة، جعل يشبب بنساء المسلمين، ويهجو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام بأشعاره، والذي قتله وتشرف بقتله هو: محمد ابن مسلمة في مفرزة من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك حصن مرحب اليهودي الذي قتله على بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وكحصن سلام بن مشكم، وغيرها من الحصون والقلاع المنيعة في خيبر وغيرها، والتي إن دلت على كثرتها وتمنعها فإنما تدل على جبنهم وخوارهم وهلعهم وحرصهم الشديد على طول البقاء، وهذا مشاهد الآن كيف يفرون من الحجارة وبين أيديهم أعتى وأقوى الأسلحة المدمرة والفتاكة، وصدق من قال: «السلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحًا تامًّا لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود؛ حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير» (٢).

وقد قال الله تعالى في ذلك: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (١٤)} [الحشر].

«{لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا} يعني: اليهود، {إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ} أي: بالحيطان والدور يظنون أنها تمنعهم منكم، {أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} أي: من خلف حيطان يستترون بها لجبنهم ورهبتهم» (٣).


(١) كحصن (خط برليف). ولقد عكف اليهود منذ احتلالهم سيناء بعد حرب (٦٧)؛ على بناء سلسلة من التحصينات الدفاعية على طول الساحل الشرقي لقناة السويس، لتأمين الضفة الشرقية للقناة ومنع عبور أيّ قوات مصرية إليها. وعُرِفَت تلك السلسلة الدفاعية باسم خط بارليف.
(٢) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (١/ ٢٦).
(٣) تفسير القرطبي (١٨/ ٣٣).

<<  <   >  >>